5 دقائق
سنـّة القيام في شهر الصيام
يمتاز شهر رمضان بخصائص عظيمة منها صلاة القيام، التي هي سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، من فعله وقوله، فقد ثبت في الصحيحين أنه خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس، فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها».
وهذا من رحمته، عليه الصلاة والسلام، بأمته، إذ لم يشأ أن يشق عليهاأ بفريضة أخرى غير الصلوات الخمس، لئلا يعجزوا فيأثموا، لكنه مع ذلك حثهم على القيام، فقال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه».
والقيام الذي ندب إليه هو المسمى بصلاة التراويح، سمي بذلك لأن المصلين يتروحون بين كل أربع ركعات بذكر أو نحوه، لما عانوه من طول القيام الذي كان يستغرق الليل إلا قليلاً.
وقد كانوا يقومون بعشرين ركعة في سائر الأمصار، وكان أهل المدينة يقومون بإحدى وأربعين ركعة، ثبت ذلك في السنن والمسانيد، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: «إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر». وكان علي، رضي الله عنه، يأمر رجلاً يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يأمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة. وهذا ما قرره الترمذي عن أهل العلم، فقال: «واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة، وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، عشرين ركعة، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة. وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء، وقال إسحاق: بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب. واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: الصلاة مع الإمام في شهر رمضان».
ونقل البيهقي عن الشافعي قوله: وأحب إلي إذا كانوا جماعة أن يصلوا عشرين ركعة، ويوترون بثلاث. قال: ورأيت الناس يقومون بالمدينة تسعا وثلاثين ركعة، وأحب إلي عشرون. وكذلك روي عن عمر، رضي الله عنه، وكذلك يقومون بمكة.
ولم تزل مكة والمدينة على العهد النبوي الموروث والمتواتر فهذه سنّة القيام بهذا العدد كادت تنسى من كثير من البلاد، لاسيما المدن التي كثرت التخمة فيها، فأعاقت الناس عن نشاط العبادة كما كان عليه سلف الأمة وخلفها.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .