(أخاصمك.. آه!)
الكل في مسجد «الفريج» كانت تغمرهم تلك الحالة الإيمانية، وكانوا يشعرون بذلك السمو في تلك اللحظات القليلة التي يتجردون فيها من الدنيا.. مسجد جميل وصوت شجي، ومطوع «معتدل السرعة والعقيدة» وآيات بينات.. ولأن «الزين ما يكمل»، وفي تمام الركعة الثالثة انفجر المسجد بتلك النغمة الصادرة عن موبايل أحدهم.. (أخاصمك آه.. آه.. آه)، بدا كأن قنبلة قد أصابت الصف الأول، فما بين نحنحة وتململ وإغمائة مباشرة للبعض.. ساد صمت مطبق، لكنه واجم هذه المرة، بعد أن كان خاشعاً.. وقبل أن تعاود مطوعنا رباطة جأشه، ويقول الله أكبر، كانت القنبلة الثانية: (أسيبك لا.. لا.. لا)، الثواني التي تلتها كانت أشبه بدهر بدا من الواضح وجود حركة احتجاجية في الصفوف الخلفية قبل أن تأتي الطامة: (وجوه الروح حتفضل حبيبي اللنا بهواااااه.. أخاصمك آه).. وفاصل موسيقي بالطبع!
المصلي المسكين من الربكة لم يعلم ما الذي يفعله، فلو أنه تحرك أو بدا منه أمر ما فستثبت التهمة عليه.. وأنا متأكد من أنه كان في سره يتمنى «لابن اللعيبة» الذي لا يصلي ويتصل به في هذا الوقت كل أنواع الخير، بدءاً من دوالي الساقين، وليس انتهاء بـ«باكيج» السكر والضغط والزهري السفليس.. المهم أن ارتباك صاحب الموبايل استمر.. واستمرت الربكة بين المصلين في مسجدنا الكريم.. واستمر الصوت «دنت حبيبي ومناي إلي جنني»! صوت صفعة على قفا أحدهم مع صوت: «بند موبايلك!»، صوت صفعة أخرى: «أنته كافر حد يضرب مصلي!»، صوت ضحكة طفل صغير وبكاء آخر، الإمام يدوس لإنهاء هذه المهزلة، صوت ضحكات كبار ميزت فيها «شباب الشيشة»، هبطت روحانيات المصلين إلى دون الحضيض، وتحول مكانها إلى الغضب، ولم يكد الإمام يسلم حتى التفت الجميع بنظراته البوليسية والجميع يبحث عن الضحية لكي «يقطعوه».. كنت ضمن الحشد أحاول قراءة الرعب في وجوه بعض المصلين، لأعرف من هو «المجرم».. حتى «فلان» «سرسري الفريج» الذي لا يعرف درب المسجد إلا في العشر الأوائل من رمضان صرخ بصوته «المشروخ» من أثر «القواطي» الخضر: «منو هاذ؟ أنتم ما تخافون ربكم؟!»، «شباب الشيشة» يخرجون بسرعة، وأنا أعلم أنهم سينفجرون بالضحك في الخارج، فهم «يدورون حجة»، الشيخ فلان ينظر إلي بتلك النظرة، لأنه يعتقد جازماً أنني السبب في أي مصيبة تحدث في المسجد، أصوات بكاء وضحك وشكاوى والشيبان يحركون عصيانهم في الهواء.. فوضى عارمة! كل الأفراد والمجتمعات والفرق والجماعات يصيبها الارتباك عند حدوث حدث غير متوقع، والأسهل هو الهدوء وتمالك النفس والتصرف بحكمة: أخرج موبايلك، وضعه على الصامت، وانتهى الأمر.. ليشعر الكل بالهدوء والطمأنينة، خصوصاً نحن نعلم أنه مهما فرقتنا أفكارنا ومعتقداتنا ووظائفنا ومكانتنا، فإن صفوف الصلاة ستوحدنا وتجعلنا متساوين، والأهم أنها تدعونا لنكون جميعاً خلف إمام واحد!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .