كيف تعرف قيمتك كشاعر؟
لم أكن أعرف قيمة الشاعر والقاصّ والروائي طوال حياتي إلا بعد أن استدعتني ضريبة الدخل. ذهبت ضاحكاً مستسخفاً الأمر، ولكن - وكما هي الحال في الدوائر الرسمية - أحالني موظف إلى آخر إلى ثالث إلى رئيس قسم، إلى أن استقر بي الحال أمام موظف محدد، علمت أنه سيكون من الآن مرجعيتي في ضريبة الدخل. كنت لاأزال أضحك في سري، وأرثي لحالهم على ما يبذلونه من جهد بلا طائل، ثم حان دور الأسئلة التي تشبه التحقيق، سألني عن دخلي الشهري وكيف أعيش ووووو إلخ، وكنت في كل إجابة أبتسم وهو عابس كأنه يتقمص شخصية ما، أخبرته أنني بلا عمل، وأنني أكتب مرة هنا وأخرى هناك، وأعيش في منزل بالأجرة، وقد كتب الرجل كثيراً وانتهينا، وغادرت أنا المكان ضاحكاً كما ذهبت.
بعد أشهر أو سنة ربما، قرأت «تبليغاً» رسمياً لي في إحدى الصحف، يطالبني بآلاف الدنانير قبل اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، عدت إلى هناك وسألت موظفاً آخر، لأنني عرفت أن الأول انتقل إلى مكان آخر، أخبرني الموظف أن دخلي يساوي كذا وكذا، ووضع مبالغ فلكية. سألته من أين جاء بهذه المعلومات، فأخبرني أن الموظف الذي تابعني هو الذي قدّر هذا الدخل، كان من بين مصادر الدخل المذكورة وأهمها صحيفة محلية ووزارة الثقافة، ذهبت إلى كل منهما واستخرجت كل ما حصلت عليه في السنوات الأربع الأخيرة موثقاً وموقعاً ولا لبس فيه، وعدت بهذين الكتابين إلى الموظف، فقال لي تعال كي نرتب تسوية. تسوية؟ وهنا تذكرت أن لي في ذمة الضريبة مبلغاً من المال اقتطعته الضريبة خطأ أو ظلماً، فأدركتُ أنه يريد مقايضة هذه بتلك، أخبرته أنني لا أقبل ذلك، وها هي أوراقي، فقال لي أنت حر، ولم يمض شهران حتى بُلغتُ في الجريدة أيضاً بموعد نهائي قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة التي ستصل إلى المحكمة، وربما إلى السجن، سألت الكثيرمن زملائي فلم أجد معظمهم تعرض إلى هذا الموقف، قلت لنفسي: حظ. استشرت محامياً فقال لابد من رفع دعوى قضائية قبل فوات الأوان، وفوات الأوان تبين أنها تعني أن ضريبة الدخل يمكنها أن تحجز على سيارة مثلاً، أو عقار، وإذا لم تجد فسوف تحجز أي حوالة مالية تصل إلى بريدي وتأخذها، وإذا لم تجد فسوف يكون السجن ملاذي الأخير.
رفعت دعوى منذ سبعة أشهر، ولم أتلق أي إجابة حتى اليوم، فأدركت أنني ككاتب أحتفظ بقدر عال من الأهمية لا يقدرها الآخرون حولي، لا زوجتي ولا أبنائي ولا أصدقائي.
لن أقارن وضعي ككاتب بوضع الكاتب في أي بلد أجنبي، فهذا حرام، ولكني تذكرت الشاعر الأردني سليم دبابنة الذي عاش عمره في سقيفة من طين بسقف من البوص إلى أن افتقده الله، ولا أريد أن أستعرض أسماء أخرى أردنية وعربية لئلا أقلب المواجع، ولكني فقط أردت القول لهؤلاء الشعراء الشباب والكتاب الجدد، المستعجلين على الشهرة والنشر، وأخص الفقراء منهم: على مهلكم، فقد تجدون أنفسكم ذات يوم في السجن بجريمة إفقار الدولة وزيادة مديونيتها ورفع معدلات البطالة والتضخم فيها، وإلا كيف ستشعرك الدولة العربية بقيمتك كشاعر وكاتب إذا لم تدخل السجن، أو تهددك بدخوله على الأقل؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .