مزاح.. ورماح
باب الحارة.. الجزء الذي لم يبث
في كل عام كانت تتسلل أصواتهم من النوافذ العلوية «وقت التراويح»، كما كان عمال المقاهي يصرون على ضبط تلفزيون المكان على أحداث المسلسل، أما ربّات البيوت فكن يستعجلن في جلي آخر الصحون، ليلحقن «الطوشة» طازجة بين «بنات أبوعصام»، وكذلك طالبات الجامعة كن ينصتنَ ويراقبنَ بتمعن لهجة وحركات صبايا المسلسل، ليقمن بتقليدها لا شعورياً في اليوم التالي، أما أنا فكنت أتجنب الذهاب إلى صالون الحلاقة وقت بث الحلقة، لأن الحلاق كان يضع شفرتي مقصه في أذني وعينه لا ترمش عن «ليليا الأطرش».
هذا العام لم يبق للحارة باب.. ولم يبق سياج تسترق الجارات من خلفه السمع ولا أدراج، لا شرفات، لا بحرة، لا أرجيلة، لا «متّة»، لا «كبّة» نية، ولا «تقبرني ابن عمّي».. هذا العام لا صوت سوى صوت القصف، ولا صورة غير صورة الدمار والقتل والهدم والجثث المقطّعة والأعضاء «المسحّبة».. ترى ماذا حل بحارة الزعيم وحارة أبوالنار وحارة الضباع وحارة الماوي منذ عام ونصف العام؟!
أبوشهاب استشهد.
أبوعصام معتقل.
أبوحاتم قتل.
الحمصاني لاجئ في تركيا.
أبوإبراهيم مجهول المصير.
أبوالنار قتل.
أبوبشير: مجهول المصير.
أبوخاطر: قتل.
الزعيم: مجهول المصير.
أبوغالب: لاجئ في مخيم الزعتري بالأردن.
سعاد: أرملة.
أم لطفية: لاجئة في تركيا.
أبوبدر: مجهول المصير.
أبوالعز: لاجئ في تركيا.
بشير: قتل.
خاطر: مجهول المصير.
عبده: قتل.
عصام: الجيش الحر.
معتز: لاجئ في مخيم الزعتري بالأردن.
❊❊
المؤلف.. المخرج.. المكساج.. المونتاج.. هندسة الصوت.. هندسة الإضاءة.. المكياج.. أغنية الشارة.. التصوير الخارجي.. هندسة الديكور.. مساعد المخرج.. مدير الموقع.. الملابس.. الكومبارس.. كلهم بين قتيل ولاجئ ومفقود..
لم يبقَ في باب الحارة إلا «النمس»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.