أبواب
تأبيد الأسطورة
أن تبقى الأسطورة التاريخية التي تخص أي شعب من شعوب الأرض قاطبة محافظة على طازجيتها، فهذا يعني ببساطة أن هناك قيمة جهدية تعمل على تفعيل هذه الأسطورة، ونقلها من مساحة المخيال الجمعي إلى أرض الواقع، مع الاحتفاظ طبعاً بقواها التأثيرية الدائمة في الوجدان.
وقد أعجبني تعبير أطلقه شاب مصري في إحدى الفضائيات المصرية، عن «الأسطرة» الخاصة بوطن قومي لليهود في فلسطين، التي بدأت كأسطورة توراتية، إذ قامت الصهيونية العالمية بنزع هذه القشرة عن أسطرة أرض اللبن والعسل «فلسطين»، والعمل بعقلية جهنمية على تحقيق حلم الدولة اليهودية على أرض فلسطين، وكان لها هذا.
الغريب أن حلم الأسطورة اليهودية التوراتية أخذ في التمدد في سعي سري ومطلسم لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل! والأكثر غرابة من كل هذا هو انحسار مفهوم المشروع القومي العربي، وارتداد الدولة العربية المعاصرة، إلى قطرية عمياء، وأكاد أجزم بأنه لولا العجز الديموغرافي اليهودي عن تغطية البطاح العربية الواسعة سكانياً، لتم التمادي العجيب في تحقيق حلم دولة إسرائيل، في وضح النهار الدولي من دون حسيب أو رقيب.
تعالوا إذن كي نبحث عن الجرح النازف في الأسطورة الحالمة للتاريخ العربي وحتى الإسلامي.
لكي نضع أصبعنا على الجرح تماماً، دعونا نقل إن العربي استطاع بنوع من التعمية المتعمدة، أن يُخزن أسطورته الحضارية في ثلاجة التاريخ، وأصبح وضعه لا يختلف عن ربة البيت التي تضع طعامها في المساحة الخاصة بتجميد الأطعمة.
نعم لقد قام العربي عموماً منذ انهيار الدولة العباسية بوضع أسطورته الحضارية في ذاك «الفريزر» الدهري، وقام بتعطيل قواه الحضارية حد الكساح، وقام بتحويل هذه الحضارة إلى وجبات دسمة خاصة بمخياله يستعملها في أي مفصل تاريخي جديد، ويعمل على أن تدب دماء الحياة فيها من جديد، وذلك على الرغم من أن الكثير من القيم التي يعاد تجديدها هي منتهية الصلاحية بامتياز!
والحال فإن أسطورتنا العربية لم تنتقل من مخيالنا الجمعي إلى أرض واقعنا، بل ظلت تقيم هناك في مساحة الحلم والترجي بأن تُبعث من جديد، وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعلنا في كل نقلة حضارية للعصر نعود إلى مربعنا الأول «مربع الحلم الأسطوري الأول».
وتلكم هي مأساتنا الحقيقية وسر هذه الكوارث التي باتت تعم معظم عواصمنا، فنحن نرغب في أن يظل تاريخنا في حالة تجمد!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .