«الحالم» العربي

ما هذا، صارت محطات تفسير الأحلام أكثر من محطات البترول في البلد، الكل يتوقف عندها ليملأ خزان مستقبله بوقود الوهم ثم يمضي.

❊❊

الظاهرة مقلقة، ليس بسبب انتشار المفسرين ومحللي «الشخير» وتكاثر طالبي التفسير وحسب، بل لأننا صرنا نشعر للحظة بأننا أمة مفصومة ومنفصلة عن الواقع تماماً، أمة تعيش في حالة نوم عميق يصل إلى حد الغيبوبة، أمة تهوى أن تعطل خططها وطموحها وخريطة طريقها، مقابل أن تسمع هذيانها، وهي نائمة لتصدقه.

اتصالات بالهبل، ومكالمات بأسعار خيالية، وخطوط مشغولة، وأرقام اتصال تخص كل أقطار العالم تلف أسفل الشاشة وأوسطها، و«مشايخ» يتنكرون بالحكمة والدراية، ويملأون جيوبهم ووقتهم بــ«هذربات» الآخرين.

«يا شيخ حلمت أني جالسة تحت شجرة.. شجرة كبيرة، وورقها أزرق، بعد شوي اجا ثور ونطحني.. شو تفسير الحلم».. يهز الشيخ رأسه ثم يسألها: متزوجة؟ أي نعم يا شيخ! إن شاء الله سيأتيك ولد صالح! بارك الله فيك يا شيخ، نأخذ اتصالاً ثانياً: «يا شيخ حلمت أني راكب سيارتي، بس (جير عادي)، مش أوتوماتيك، وكل ما حبيت أغير، ما اندلّ (الجير) شو تفسيرها»، يكتب الشيخ ملاحظاته على ورقة ثم يقول له: «إن شاء الله هناك سفر قريب وفرصة عمل، بس أولها رح تواجه مشكلات بعدين تتيسر أمورك بعون الله ومشيئته، ثم يأخذ اتصالاً آخر».

معظم المتصلين يكونون قد نسفوا قبل النوم قدر مندي قطره ثلاثة أمتار، أو أجهزوا على خروف «معتقل» فوق جبل من «البرياني»، ثم ناموا متخمين ويريدون تفسيراً لأحلامهم! ومع هذا، كل الأحلام لها تفسير عندهم، وكل القصص لها دلالة وإشارة.

إلى الآن لم أصدف أحد المشايخ يعتذر عن التفسير، أو يتواضع بعدم المعرفة، فلكل حالة جواب، ولكل غفوة هناك حدث قادم، كما لم أسمع حتى اللحظة أحد المفسرين يسأل «الحالم»: هل نمت على طهارة؟ هل نمت على وضوء؟ هل نمت بكّير؟ أبداً.

أسألكم بالله: ما الفرق بين مفسري الأحلام والمنجمين ومستطلعي الحظ و«الأبراج»، إذا كان الاثنان يدّعيان معرفة الغيب والاطلاع عليه؟ قال تعالى: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلا هُو».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة