مزاح.. ورماح

«حتى أنتِ يا أمي!»

عبدالله الشويخ

لا شيء يشبه الشعور عند العودة من العمل إلى المنزل! أخيراً لقاء طغمة الأوغاد السعداء.. الأحضان الحقيقية.. اللغة المشتركة.. السير حافياً دون غطاء رأس.. عدم الانتباه كل خمس ثوانٍ أثناء الطعام عما إذا كنت قد أفسدت الكندورة.. الحديث دون خوف من زلل أو كلمة تسجل عليك.. المنزل أخيراً.. الوطن الأصغر والحرية المطلقة!

تبدأ عودتك بلقاء صغار العائلة، حيث يجب أن يكون البدء من حيث تحب.. تحاول مفاجأتهم بفتح باب غرفتهم، حتماً ستجد هناك فوضى عارمة، وروائح طفولية مقززة، وحلبة مصارعة في المنتصف تستخدم فيها «المخدات».. أنت تحب هذا كله!.. تفتح الباب وتفاجأ بأنه لا شيء مما خطر في بالك، جميعهم موجودون نعم، لكن الغرفة مرتبة بشكل مبالغ فيه، ولا يبعث على الارتياح.. مطلقاً! عندما تذهب لإنهاء معاملة حكومية في السابعة صباحاً، وتجد أن الطرق مفتوحة، والمواقف بجوار المكتب الذي تريده، والمسؤول مبتسم، وتنهي المعاملة في السابعة وخمس دقائق، أي حتى قبل بداية موعد الدوام الرسمي، فإنك تشعر بحركة معينة في أحشائك.. هناك أمر خاطئ! يجب أن يكون هناك شيء من الفوضى، لكي تتأكد أن الحياة تسير بوتيرة اعتيادية! هذا هو شعوري تماماً حين أرى غرفة الأطفال بهذا الترتيب، ولا صوت لبكاء ولا عراك.. تتمعن قليلاً في الأمر! تسلم لا يرد عليك أحد! من باب الخجل فقط تأتي تلك الطفلة تقبل يديك، ثم تعود إلى كرسيها الذي يحمل صورة كبيرة لـ«تيمون وبمبا»! تنظر في أيادي الأطفال، فتفهم السبب، في يد كل منهم جهاز «آي فون»، تم عمل عملية إخصاء له، لكي يناسب الأطفال ويسمونه «الآي بود»، كل منهم في عالم خاص، ولا يريدك الآن..! لا بأس! تذهب إلى غرفة الأكبر سناً قليلاً.. تبدأ تشعر بأنك غريب.. تسلم عليهم.. لا جواب أبداً هذه المرة، لكن أسماء الأجهزة تختلف «غالاكسي تاب»، و«آي باد»، هناك الكثير من أصوات «التش»، و«البم»، و«الطاخ»، تفهم أنها «ستريت فايتر وأخواتها»، تتركهم لتنظر إلى الفتيات فتراهن يشاهدن «كاتون نتوورك»، كأنهن في عالم آخر، رغم أن حلقة توم وجيري هذه «إصابة توم بالحمى» تعاد للمرة التاسعة بعد المليون، لقد حفظناها لحظة لحظة، لكنها لاتزال تُشاهد.. تسأل نفسك وأنت تغلق الباب على الغائبين عن الحياة، طالما أن «توم وجيري» بهذا النجاح الساحق.. فلِمَ لا يتم إنتاج حلقات جديدة على الأقل! تذهب إليها.. هي حتماً تفتقدك.. وقبل أن تقول: أنا هنا يا حبيبتي.. تسمع تلك النغمة المميزة للـ«بيبي» تراها وقد تحولت إلى مومياء «أمونحتب»، وأصبح «البيبي» جزءاً منها.. أو أصبحت هي جزءاً منه بالأصح.. تعزي نفسك بأن مخترعه الذي سماه «بيبي»، كان يجب أن ينتبه إلى تأثيره في الراغبات في بالأمومة!

في المقهى كل واحد من «الربع» يطنطن باستخدام هاتفه على «تويتر»، دون أن يتبادل أي حديث مع الآخرين.. لا تجد أمامك سوى الأم الحنون.. وبمجرد أن تدق عليها الباب حاملاً كيس «الصمون» العراقي، تبادرك بقولها، وهي تشير سعيدة إلى «لاب توب» وردي اللون، يحتل مكانك في حضنها: «يوليدي ما تجي تسويلي عكاونت ع الفيس بوك؟!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر