الفرق بيننا وبينهم!
لسنا أغنى دول العالم بكل تأكيد، ولسنا الشعب الأكثر ثراءً، بل إن هناك شركات في دول عظمى تتفوق ميزانياتها على ميزانية الدولة الاتحادية، ومع ذلك هناك انطباع لدى العالم بأننا شعب مترف ثري.
الانطباعات غالباً ما تكون أقوى من الحقيقة، والحقيقة هي أننا نعيش في نعمة كبرى، لكننا لسنا جميعاً أغنياء، ولا ينطبق على معظمنا هذا الانطباع العالمي.
قضيت الأسبوع الماضي في مدينة كييف الأوكرانية، وذهلت من أعداد سيارات «رنج روفر» التي تسير في شوارعها، تليها من حيث الكثرة سيارات «رولزرويس -بنتلي»، و«مرسيدس». وقال لي صديق مقيم هناك من 20 عاماً، إنه بين 10 أوكرانيين هناك ثلاثة يحملون هاتف «فيرتشو» الذهبي المرصع بالألماس،
وأضاف أن هناك رجال أعمال أوكرانيين فاحشو الثراء، ويعيشون حياة لا يعيشها نظراؤهم في أي مكان آخر، وهم يملكون من العقارات والأصول والأموال ما لا يملكه أحد، ومع ذلك فهم ليسوا مشهورين ولا معروفين ولا تكتب عنهم المجلات ولا الصحف.
أوكرانيا هي الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية بعد روسيا في دول الاتحاد السوفييتي السابق، فقد شكل الناتج القومي لها أربعة أضعاف ما تنتجه الجمهوريات السوفييتية دون أخذ روسيا في الحسبان، والتربة الأوكرانية الخصبة كانت تقدم للاتحاد السوفييتي ربع منتجاته الزراعية من قمح وخضراوات ولحوم وألبان، وتتمتع حالياً بقدرات صناعية هائلة، وتعتبر الصناعة عماد الاقتصاد الأوكراني والمورد الأول للدخل القومي. ويعمل في الاقتصاد نحو 300 من القطاعات الاقتصادية المختلفة، كما تعد الزراعة من أهم روافد الاقتصاد، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الصناعة.
تنتج أوكرانيا العديد من البضائع ذات القدرة التنافسية العالية في السوق العالمية، وتتمتع بمجمع علمي وتكنولوجي فريد من نوعه يفتح آفاقاً واسـعة أمام تطور البشرية.
وقد دخلت أوكرانيا إلى مصاف الدول الفضائية إثر إطلاقها القمرين الاصطناعيين «سيتش» و«أوكيان».
وتتمتع طائرات AN-225 وAN-70 والدبابات والتوربينات الأوكرانية والمجاهر الإلكترونية والبوارج والقطارات بشهرة واسعة في الأسواق العالمية.
وفي كل هذه المجالات الاقتصادية هناك آلاف من رجال الأعمال، ووسطاء، وصفقات، ودفع أموال من فوق الطاولة وتحتها، تجعل بكل تأكيد عدد أثرياء أوكرانيا يفوق منطقياً أثرياء الإمارات، ولكن مع ذلك فالانطباع العام أننا شعب غني وهم شعب فقير.
أسباب ذلك كثيرة، فمتوسط الرواتب الشهرية هنا لا شك أعلى بكثير، والضرائب هناك تلتهم 38٪ من الدخل، والطبقة المتوسطة معدومة هناك، والقوي يأكل الضعيف، والصناعة والآلات لا تعترف بالإنسانية كثيراً، في حين أن السبب الرئيس الذي يميزنا عن أوكرانيا وبقية دول العالم الأكثر منا ثراء، أن الإنسان هنا محط تركيز القادة والحكومة، في حين أن عالم المال والأعمال في كثير من الدول لا يعترف بالإنسان كثيراً، فهو مطحون تحت هذه الآلات!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .