كل يوم
الحسّاد والسلبيون!
لا تنزعج كثيراً ممن يكرهك حسداً، فمشكلته ليست معك كما يقولون، بل هي مع من رزقك وأوسع عليك العطاء، فالحسد هو أكثر الأمراض النفسية والآفات الاجتماعية، وهو من دون شك يفتك بصاحبه قبل أي إنسان آخر.
تمني زوال النعمة عن الغير، وكرهه والحقد عليه ومحاربته بكل الطرق الكلامية وغير الكلامية، أصبحت سمة واضحة، نشم رائحتها بقوة مع بروز كل ناجح أو مميز، مهما كان مجال تميزه، فالحسد الآن لم يعد موجهاً إلى المال وزواله، بل هو شامل وعام.
لن ينجو موظف حصل على ترقية من اتهام زملاء له بألسنتهم، حتى إن كان مستحقاً لهذه الترقية منذ فترة طويلة، وتزيد الألسن وتسودّ القلوب إن ترقى شخص إلى منصب قيادي، فهو بالضرورة غير كفؤ ولا يستحق، لكنها الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة، وبالتأكيد تلك الكفاءة التي يتحدث عنها هؤلاء الحاسدون غير موجودة، فمشكلتهم ليست مع شخص، وإنما مع كل ناجح، وتالياً كل من يصل إلى مستوى أعلى بالضرورة هو غير كفؤ!
تنتشر نوعيات سلبية للغاية من البشر في كل مكان، في الدوائر والمؤسسات والوزارات، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، هذه النوعيات لا يعجبها شيء، ولا يقنعها فعل، فكل ما حولها خطأ، وكل البشر لا يفهمون، هؤلاء السلبيون هم عملياً جماعة حاسدة، وفي معظم الأحيان فاشلة، تستعيض عن الفشل بالقيل والقال، والصوت المرتفع، والكلمات السلبية، فإذا وجدت عينة من هؤلاء فأعرض عنهم تماماً، فإنك لن تستطيع إقناعهم، ولن تستطيع جدالهم، فمشكلتهم ليست معك، بل مع أنفسهم أولاً، ومع رب العباد الذي تكفّل برزق العباد، وتحريك كل هذا الكون!
يعجبني جداً قول المؤرخ الإغريقي هيرودوت: «الناس تثق بآذانهم أقلّ من ثقتهم بأعينهم»، ومثل هؤلاء السلبيين لا يحتاجون إلى جهد كبير لنشر سلبياتهم، سوى بعض الخيوط البسيطة التي تكفيهم لتأليف قصص أكبر، وهيرودوت هو نفسه القائل «إن يحسدك الناس أفضل من أن يشفقوا عليك»، لكنّ حسّاد اليوم قد يحسدونك أيضاً على الشفقة، فكل تعاطف معك يغيظهم، وكل نجاح لك يجعلك أكثر عرضة لسهام حقدهم الأسود!
في كثير من الأحيان لن يكون لك دخل في كرههم لك، فلا تتعب نفسك في التفكير عن مسببات ذلك الكره، فقابيل قتل هابيل لمجرد أن قربان الأول لم يتقبله الله وتقبل قربان الثاني، فما ذنب قابيل وما دخله في مشيئة الله وقرار تقبل القرابين، وكذلك الحال بالنسبة لسيدنا يوسف، فهو لم يقترف ذنباً يستحق عليه الرمي في غياهب الجب، إنه الحسد، ولا شيء غيره، هو الذي يعمي القلوب والأبصار، وهو الذي يجعلك ضحية لأناس لا تعرفهم أحياناً لا لذنب اقترفته، بل لنجاح حققته!
مشكلة اجتماعية معقدة لا حل لها، سوى التجاهل والإعراض، فهما كفيلان بإشعال نار الحسد، للدرجة التي يمكن أن يحرق الحاسد نفسه فيها، أما غير ذلك فهو أمر غير مجدٍ تماماً، فالحاسد كما يقول عباس محمود العقاد: «ليس ذلك الذي يطمع في أن يساويك بأن يرقى إليك، بل هو الذي يريد أن تساويه بأن تنزل إليه»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .