مزاح.. ورماح
حسبي الله ونعم الوكيل
كلما صادفت أحد المتفوقين الذين زاملوني في المدرسة، وقد رمته الحياة في أحد سراديبها المعتمة، أتذكّر مقولة العالم المصري أحمد زويل: «إن الأوروبيين ليسوا أذكى منا، لكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح.. أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل».
صديقي في الابتدائية وائل، كان عبقرياً في الرياضيات، حتى أن كل مدرسي الصفوف الثانوية كانوا يتباهون به، ويأخذونه ليحل المسائل المعقدة للصفوف العليا.. قابلته العام الماضي، فتبين لي أنه يعمل «مخلّصاً» في إحدى شركات الشحن.
معاذ المبدع في الفيزياء، الذي أحرز علامة كاملة في امتحان الثانوية العامة، لديه محل للمخللات واللحوم المجمّدة.
فايز صاحب الصوت الجميل في التجويد والأحكام الشرعية المتقنة محكوم بثلاث سنوات سجناً في قضية نصب واحتيال.
ومن لم أرهم أو أسمع أخبارهم، بالتأكيد، ليسوا أحسن حالاً من الذين رأيتهم وسمعت أخبارهم.
وقياساً على ما ذكرت، تخيّلوا مثلاً لو أن هؤلاء ولدوا في بلادنا العربية ماذا سيحل بهم:
أديسون بعد أن فشل في صفوفه الابتدائية.. «كهربجي سيارات» في الصناعية الأولى.
نيوتن الذي أدهش العالم بتفاحته.. ربما معلم شيشة وخرّيم معسل «تفاحتين» بمقهى الفيشاوي، أينشتاين، صاحب نظرية النسبية، سيكون مختصاً في فك السحر وعلاج المسّ وحل الربط بين الزوجين.. مدام كوري سيدة اليورانيوم، صاحبة صالون تجميل. واطسون وات، صاحب بقالة التوكل. غرهام بل معلم شاورما. الياس هاو بنشرجي.. نيكولاس أوتو مراقب صحة. مايكل فاراداي مفتش «باركنج».
طبعاً الذي أشعل في ذهني فكرة هذا المقال، احتفاء الإعلام قبل سنوات بمخترع من بلدي قام باختراع مولد كهربائي لا يعتمد على البترول ولا على الغاز في إنتاجه للكهرباء، وإنما على المواد العضوية البسيطة، وأذكر وقتها أنه قد تم تكريم هذا المهندس بدرع بلاستيكية قيمتها لا تزيد على خمسة دولارات، سلمه إياها رئيس جمعية الدجاج البيّاض في العاصمة.. ثم طواه النسيان و«طفسه» الإعلام و«ركلته» المؤسسات الرسمية من أبوابها، لأتعرّف إليه مصادفة قبل أسابيع وقد افتتح محلاً صغيراً لبيع الفوط وحفّاضات الأطفال والورق الصحّي، سماه «حسبي الله ونعم الوكيل» للتجارة العامة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.