من المجالس
بل هو خير
لا تستقيم لغة العنف مع رسالة الرحمة، التي بعث الله تعالى بها محمداً صلى الله عليه وسلّم، ليكون هادياً وبشيراً، ولم يكن لمهاجمة الممثليات والسفارات والمندوبين أصل في سيرة رسول الله ونهج أسلافه الصالحين، مهما بلغ بغي الحاقدين. لكن في زمن تجفيف المنابع النقية، وإقصاء الثقافة الإسلامية الأصيلة، وتغييب الوعي الجمعي، غلبت العصبيات وتغلبت العواطف وطفح الزبد، فصار الدين فزعة، وأصبح الانتصار للدين تفريغاً لشحنات شديدة الاحتقان وسهلة الانفجار. فالنيات طيبة، والسجايا مخلصة، والحمية متوهجة، لكن دون علم يضبطها ولا حرية مسؤولة توسّع هوامش التعبير عنها، لذلك تنقلب إلى براكين تتفجر فتبسط حميمها وتنثر غبارها، لتحجب كل بقية لحكمة أو شيء من عقل.
ويزيد اشتعال النفوس القابضة على دينها، كلما تمادى عبيد الشيطان وعبّاد الفتنة في إذكاء النيران وإشعال الحرائق، في زمن تسيَد فيه أرباب الرذيلة، وساد فيه قانون الشيطان، وتضخم فيه صنم الديمقراطية الذي لا يجوز التقرب إليه إلا بانتهاك حريات الآخرين، وجعل معتقداتهم ومشاعرهم قرابين تراق دماؤها في معابدهم المضلّة، وتحت أنغام ترانيمهم المضللة. لكن لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فإنه سرعان ما يخنس ويوليهم الدبر، معلناً البراءة منهم ومما يفعلون، وتاركاً نيران قرابينهم تأكل ما بنته أيديهم، وتحرق أوراق دفاتر تدابيرهم، وتنقض ما غزلت أيديهم. الإسلام حضارة لم يألُ مدّعو الحضارة من خارجه ودعاة التبعية في داخله جهداً في تفريغ وعائه منها، وتجفيف منابعه من معينها. ولعلها الآن فرصة ليزول الزبد ويظهر ما ينفع الناس، فترد الإساءة إلى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، بالمزيد من دراسة سيرته العطرة، والاقتداء بسلوكه الحميد، وهذا هو سر عظمة من اختاره للعالمين نذيرا.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .