أبواب

يُتم «حنظلة» ناجي العلي

خليل قنديل

مازلت وكلما مرت ذكرى اغتيال الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، أعود إلى الكتب التي تحوي رسوم ناجي العلي، حيث يطل عليّ «حنظلة» ناجي العلي بشعره الأكرت والمدبب، وبقدميه الحافيتين، وهو يدير ظهره في جانب اللوحة للقارئ، شاهداً على عصر التنازلات العربية، وشاهداً على سقوط الثوار.. ثوار فلسطين في «فضيحة أوسلو» وتداعياتها اللاحقة والمخجلة.

و«حنظلة» ناجي العلي الذي يمثل الطفل الفلسطيني الشاهد على الخراب والانكسارات العربية اللاحقة، ظلً يقف شاهداً ومقرعاً القيادات الفلسطينية والعربية التي تنازلت عن فلسطين، وكان يرافقه في الشهادة فاطمة الفلسطينية ومريم الناصرية و«الختيار» الطيب الذي يمثل اللاجئ الفلسطيني المعبأ بالغيظ وبالقهر، وعين الحلوة صاحبة العين الدامعة.

«حنظلة» ناجي العلي الذي أشهره ناجي العلي وقدمه ببطاقة تعريفية في أحد رسومه، كابن شرعي لفنه، في ملامسة أوجاع البسطاء الطبقية والثورية، هو في الواقع ناجي العلي ذاته الذي توقف عن النمو لحظة احتلال قوات الصهاينة قريته «الشجرة» حينما كان عمره 10 سنوات، واضطر هو وعائلته الفلسطينية إلى أن يقيم في مخيم عين الحلوة، وهو يرقب الوضع الكاريكاتوري في شكل الخيمة التي قسمت الى نصفين: قسم لنوم العائلة، والقسم الآخر الذي تحول الى بقالة لإطعام العائلة.

و«حنظلة» هو الطفل الذي امسك بـ«الطبشور» وبالفحم كي يرسم على الجدران النحيلة شكل احتجاجه على الإقامة بالمخيم، ويقارع السلطات اللبنانية بهذه الرسوم، وربما هو من جعل ناجي يرسم لوحته الأولى التي مثلت قبضةً غضب فلسطينية خارجة من الخيمة تبشر بميلاد الثورة على اللجوء، وبالمناسبة هي اللوحة التي اختارها الشهيد غسان كنفاني لتكون غلافاً لمجلة «الحرية» آنذاك.

و«حنظلة» ناجي العلي الذي كان يتهكم على الأقفية الخنزيرية للمهرولين نحو توقيع التسويات مع العدو الصهيوني، ويرسمهم باللون الأسود كأبقار بشرية، هو الذي كان يبثّ القوة في عروق ناجي العلي، ويزيده صلابة وعناداً في وجه كل التهديدات التي كان يهمس له في اذنه صاحب كاتم الصوت.

و«حنظلة» الذي جعل ناجي يقول لأحد أصدقائه في لندن وقبل اغتياله بيومين «إذا لم أحمد الأنظمة وقيادة الثورة الفلسطينية فإني سأقتل بعد يومين». وربما هو الذي جعل ناجي يقول لزوجته وهو ذاهب الى مكتب جريدة «القبس» في لندن «إذا لم اتصل بك هاتفياً عند الخامسة مساء فاعلمي أني قتلت!».

«حنظلة» ناجي العلي، الذي يطل علينا بعد ربع قرن من اغتيال الفنان، تحول الى ايقونة تظل تعاني يُتم صاحبها الذي خلده في رسوم ثائرة واغتيل وسجلت الجريمة ضد مجهول!

«حنظلة» ناجي العلي ايها اليتيم الذي يزداد عظمة في كل عام ستظل علامة فارقة في النضال الفلسطيني المتحضر والأصيل.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر