مزاح.. ورماح
عقدة السبت
تنتظرني مع مغيب يوم الخميس قائمة طويلة عريضة من التصليحات في البيت، تزداد أسبوعاً بعد أسبوع، بسبب طبيعتي الكسولة، وقامتي المتراخية، وانعدام فائدتي من الناحية التشغيلية أو «الإصلاحية»، فلا أذكر أنني قمت بفكّ أي جهاز كهربائي في حياتي إلا كان مصيره حاوية القمامة، بدعوى أن «المحوّل محروق»، ولم تنجح أي محاولة لتصليح رفّ في الخزانة أو قائم من قوائم السرير، إلا شاهدها المارون في أحد محال الأثاث المستعمل معروضة بزهو وبهاء، طبعاً هذا من الناحية الحرفية، ناهيك عن التسويف في الإنجاز والمماطلة بالتنفيذ، وتبرير التقصير، واستخدام ذريعة التدخل الخارجي، إذا ما اقتضى الأمر، وللأمانة هذه الفائدة الوحيدة التي تعلّمتها من متابعة سياسات الأنظمة العربية المباركة (المماطلة والتبرير). منذ عشرة شهور وأنا أعد «أم العيال» بتعليق «صورتي مع شخصية مهمة في الدولة» في غرفة الاستقبال، ولم أفعل، ومازلت أنسى تعليق ساعة الحائط التي أهداني إياها أحد الأصدقاء بمناسبة مولودي الجديد قبل سنتين ونيّف، وقد غيرت لها ثلاث بطاريات وهي في «كرتونتها» فوق المكتبة، كما لم أكتفِ بتأجيل تصليح الحنفية التي ازدادت وتيرة تسريبها إلى أحد «سبتات» العطلة، بل طلعت على زوجتي بالعالي، بأن شكوى الحنفية، شكوى تقليدية نسمعها ونشاهدها في كل المسلسلات، وعليها أن تبدع أكثر في «التشكّي»، وألا تبقي ثقافتها «درامية» هكذا فقط. المشكلة أنه مع حلول الجمعة، لا أنجز شيئاً، أبقى مستلقياً على ظهري أقلّب قنوات التلفزيون بمعدل عشرين مرّة في الدقيقة، أشرب «نسكافيه»، أستقبل وأرسل «مسجات» ثم أنام، بانتظار يوم السبت واعداً جميع أفراد العائلة بإنجاز كل المطلوب مني، المشكلة الثانية أنه في يوم السبت صباحاً لا أنجز شيئاً أيضاً، أستلقي على ظهري من جديد، أقلّب قنوات التلفزيون بمعدل عشرين مرة في الدقيقة، ولأنه دائماً يذكّرني ببداية الأسبوع، و«دوام» الغد والأزمات والضجيج، تُسدّ نفسي عن العمل، فأتهرب من الوعود «الإصلاحية» متحججاً بالخروج من البيت للضرورة، أو أفتح «ملف وورد» لأقنع العائلة الكريمة بأن ثمة مقالاً ضرورياً عليّ إنجازه. أكاد أجزم أنني مصاب بمرض نفسي يدعى «عقدة السبت»، فمنذ الصفوف الابتدائية أنا أكره هذا اليوم، كنت أنتزع النعاس من عيني قبل أن يصيح ديك الحي، وأغادر دفء فراشي مكرهاً من أجل أن أتعلم حروف الأبجدية وجدول الضرب، ولأنني أكره السبت كانت حروفي من غير نقط، وترتيبي الأخير في الحساب. في الجامعة كان عليّ أن أصحو باكراً كي أتجنّب العراك عند ركوب الحافلات المتوجهة إلى الجامعة، وبالتالي الخروج بأقل الخسائر، لا بأس لو انقطع زرّ في قميصي، أو انتزع جيبي من مكانه، المهم تأمين نفسي بالصعود واقفاً، مطاردون نحن منذ ولدنا بيوم السبت الذي لا يغيب، ومنذ عرفت ترتيب أيام الأسبوع، هذا اليوم ليس يوماً عادياً في حياتي، فمعظم إخفاقاتي و«مشاجراتي»، و«تفنيشي» من العمل، ومخالفات البلدية، ورسوب السيارة في فحص المركبات، وولادتي، و«ختاني» كان يوم السبت، على غرار السمك «فيليه»، لو أن هناك أياماً «فيليه» تأتي هكذا من غير سبت!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.