«فحص طبي!»

صديقي طيب القلب، إلا أنه كما يقال «عايش حياته بالطول والعرض»، ولهذا السبب، وربما لأسباب أخرى لا أعرفها، فإنه يصاب بحالة من فقدان السيطرة والهلع الشديد بمجرد أن يأتي موعد الفحص الطبي الخاص بالقبول لدى تقدمه لشغل وظيفة معينة، إذ تطلب كل دائرة من موظفيها الجدد إجراء الفحص المذكور للتأكد من خلو الموظف الجديد من أية «أمراض معدية»!

يتصل صديقي قبل موعد الفحص بمن يعرفه ومن لا يعرفه، لمعرفة ما إذا كان يعرف الدكتور، أو «السيستر» التي ستجري الفحص، وبالطبع نعرف جميعاً أي مرحلة من مراحل الفحص تحديداً هي التي يخافها، لذا يقول أحدنا إن لديه واسطة في الأشعة، ويقول الآخر إن لديه واسطة في تحليل الـ(..)، وانتوا بكرامة، ولا يتطرق أحدنا أبداً لموضوع فحص الدم، لأن قليل الأدب عليه أن يتحمل النتائج!

قبل عامين لم ينم طوال الليل، وبقي في سيارته أمام المركز الصحي، وعند الفجر دخل كأي متسلل يعرف طرق الجبال جيداً، وسأل الطبيبة عن النتيجة كأنها نتيجة كشف المفرج عنهم قبل العيد، وأخبرته «السيستر» إياها، بأن النتيجة سلبية، فأغمي عليه. استغرق الأمر اتصالات كثيرة وربع كيلوغرام بصل ومخزون المركز الصحي من زجاجات النشادر، ثم استدعاء طبيب نفسي مختص لإفهامه أن «النتيجة سلبية»، لا تعني سلبية بالمفهوم السلبي للأمور السلبية، ولكنها تعني أنه «لايزال في السليم»، وأن ستر الله قد أعطاه فرصة أخرى، وأن المصيبة الحقيقية ستكون في اليوم الذي يسمع فيه أن النتيجة «إيجابية»، لأنه عندها فقط ستكون «سلبية»!

في حادثة أخرى تسرب خبر قيامه بالفحص قبل مدة بسيطة ودخل في الدوامة النفسية ذاتها، ما جعل بعض طيبي القلوب يتصلون به من «رقم غريب» وقد غيروا أصواتهم، وهي حركة معروفة لدى المراهقين، ويخبرونه بأنهم من الطب الوقائي ويرغبون في الحديث إليه على انفراد في مقهى «ستار بكس» بخصوص فحص المناعة المكتسبة، ولكم أن تتخيلوا النفسية التي ذهب بها صاحبنا المحطم تماماً إلى «ستار بكس» وهو يبكي ويفكر في بقية حياته التي سيقضيها في محجر صحي أو في دولة أوروبية باردة! لكم أن تتخيلوا كمية المرح والسعادة التي حصل عليها الآخرون وهم يرونه على هذه الحالة، ثم يقولون له على الطريقة الأميركية «سبرايييز»!

يا صاحبي، أما آن الأوان لكي تجري الفحص وأنت ترفع رأسك للسماء؟ كم بقي لنا من العمر؟ فهل الأمر يستحق؟ وماذا عن الذي يسترك في كل فحص وكل لحظة؟ أما استحييت؟ ثم أيها الأحمق، من هم موظفو الطب الوقائي الذين يواعدون المراجعين في «ستار بكس»؟! طبل!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة