تناقض بين الواقع والقوانين
نعيش شيئاً من التناقض بين الواقع وبعض القوانين، فالواقع يقول إننا دولة نعاني مشكلات اجتماعية عديدة، أكثرها شدة هي مشكلة قلة عدد المواطنين، في حين أن القوانين المختلفة، خصوصاً المتعلقة بالموارد البشرية التي نطبقها تسير في عكس اتجاه هذه المشكلة، ولا تساعد على حلها أبداً!
ربما تكون قوانين الموارد البشرية جيدة بل ممتازة، لكنها لا تصلح للتطبيق في مجتمعنا، هذا كل ما في الأمر، فهي صالحة لغيرنا، قد تنجح في دول أخرى، تختلف ظروفها عن ظروفنا، لكنها لا تصلح لنا، وربما كانت هذه هي النقطة المفصلية في الأمر، فمن وضع القانون لم يكن على دراية أبداً بمعطيات الواقع الإماراتي على ما يبدو!
فمن غير المعقول، ولا يوجد أي مبرر منطقي يستدعي إلغاء علاوة الأبناء في دولة تعاني نقصاً شديداً في أعداد أبنائها، وهي تحتاج إلى تشجيع وتحفيز الإنجاب، القرار الطبيعي في مثل حالاتنا هو زيادة علاوة الأبناء لا إلغاؤها، فلسنا أسوأ حالاً من بعض الدول الأوروبية التي رفعت تلك العلاوة إلى قرابة الـ1000 يورو، عندما شعرت بوجود خلل في الزيادة الطبيعية لمواطنيها، وعندما نتحدث عن دول أوروبية فنحن نتحدث عن سكان بعشرات الملايين، وبما أن الوضع عندنا أسوأ بكثير، فالأولى أن نعمل على إرجاع هذه العلاوة وزيادتها، واتخاذ خطوات مشجعة ومحفزة لزيادة النسل والإنجاب.
عملية الراتب المقطوع غير مجدية، وعلاوة الأبناء يجب أن تكون واضحة ومخصصة لهم، تزيد بزيادة عددهم، وتضاف مع كل مولود جديد، لا علاقة لها بالراتب الأساسي ولا الإجمالي، هي علاوة واضحة وموجهة إلى المساعدة على حل مشكلة اجتماعية، صحيح أنها لن تحلها بشكل كامل، لكنها تساعد الموظفين على تحمّل مصروفات الأبناء، وتالياً تشجعهم على الإنجاب.
هذا ليس كل شيء، فلابد من إعادة النظر في تخصيص كل المزايا الأخرى المرتبطة بالوظيفة في ثلاثة أبناء فقط، كأنها رسالة للمواطنين بعدم إنجاب أكثر من هذا العدد، فالتذاكر السنوية لثلاثة، ورسوم الدراسة لثلاثة، وهكذا، وكأن الولد الرابع أو الخامس من أبناء الجيران مثلاً!
أمر غريب، فنحن لسنا في الصين، ولا في غيرها، نحن في دولة صغيرة حجماً وعدداً، نعاني خللاً يكمن في نقص عدد المواطنين بشكل حاد، ونحتاج إلى قوانين تساعدنا على مواجهة ذلك، لكن القوانين الحالية لن تفيدنا أبداً، بل إنها تحولت إلى عائق رئيس أمام الإنجاب.
لو كانت هناك دراسة واضحة لتأكدنا تماماً أن نسب الإنجاب في الدولة انخفضت بحدة، بعد قرار إلغاء علاوة الأبناء، وبما أننا لا نملك هذه الدراسة، فلا مانع من أن ندرسها الآن، لابد أن ندرس تأثير وجود هذه العلاوة وكيفية صرفها، وما هو المبلغ الأمثل، ونعمل على استرجاعها، ونسيان القانون الذي وضعه «خبير»، ربما لم يدرك إلى الآن أننا نعاني وضعاً اجتماعياً معقداً وخطيراً!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .