سحب عصب
أخي القارئ نصيحة لوجه الله، إذا كنت من ذوي الدخل «المهدود» وآلمتك سنّك أو التهب عندك ضرس، فحاول قدر الإمكان أن تخلعه وتخلع كل من «تسوّس» له نفسه من بقية مرتّبات الفكين العلوي والسفلي، من دون تردد، فكلفة ترميم ضرس واحد هذه الأيام، صارت تساوي أو تزيد على كلفة شراء شقة من ثلاث غرف وصالة وحمامين وجاكوزي.
قبل خمسة أشهر، زرت طبيب الأسنان ليقوم «بحشو» أحد الأضراس الخلفية، أضاء الكشاف، وحرّك أدواته المعدنية بفمي، ثم نزع الكفّين المطاطيين من يديه وقال: «بسيطة.. كل شغلتك سحب عصب»!.. تمضمضت بكوب ماء قريب، ثم قلت له: تمام، فلنبدأ إذن، ذهب ليغلق النافذة فصوت الضجيج القادم من بناية مجاورة تحت الإنشاء كان كبيراً جداً، عاد وسألني: آسف لم أسمعك.. ماذا قلت ؟ قلت: قلت لك فلنبدأ الآن بسحب العصب! هز رأسه مستنكراً، ليس بعد، يوجد التهاب شديد، استخدم هذا الدواء وعد في الأسبوع المقبل في مثل هذا اليوم، وبالفعل أخذت الوصفة، وعند الخروج دفعت للسكرتيرة 50 دولاراً (نحو 180 درهماً)، وغادرت. في الأسبوع الثاني تمددت على الكرسي ذاته، فحص الضرس الخلفي، قام بالحفر البسيط، ثم المضمضة، صوت الحفارة المزعج كان ينخر في رأسي بأزيزها المنفر، وبعد نصف ساعة، خلع كُفيه المطاطيين، أغلق النافذة بسبب ضجيج «صبابة» الإسمنت التي تغذي سطح البناية القريبة، ثم طلب مني توخي شرب البارد والحار على الضرس المحفور، والعودة في الأسبوع المقبل، عند الخروج دفعت للسكرتيرة 50 دولاراً أيضاً وغادرت. في الأسبوع الثالث تمددت على الكرسي، خلط مادة بسيطة بحجم حبة «العدس» وطلب مني أن أطبق أسناني عليها جيداً، ثم طلب مني تجنب الأكل عليها قدر الإمكان، ثم العودة في مثل هذا اليوم في الأسبوع المقبل، وكالعادة عند الخروج دفعت للسكرتيرة 50 دولاراً وغادرت. في الأسبوع الرابع، تمددت على الكرسي، أحضر ملقطاً وحفارة، ثم قام بانتزاع الحشوة المؤقتة، وطلب مني توخي الأكل أو الشرب عليها، ثم العودة في مثل هذا اليوم من الأسبوع المقبل، وأيضاً عند الخروج دفعت للسكرتيرة المبلغ نفسه وغادرت. الأسبوع الخامس تمددت على الكرسي، أضاء الكشاف على ضرسي «المغدور» ثم تأفف قليلاً وقال: «مينا الضرس» ضعيف ومتآكل، بصراحة أفكر في حفر الضرس المجاور ثم أقوم بوضع «تلبيسة» للاثنين معاً بعد سحب العصب طبعاً، فلم أدر بماذا أجيبه، ولما رآني مستسلماً، طلب مني أن «أتمضمض» بشراب مطهر لمدة أسبوع ثم العودة في مثل هذا اليوم من الأسبوع المقبل، وفعلاً عند الخروج دفعت للسكرتيرة المبلغ المعتاد، وغادرت. الأسبوع السادس، البناية المجاورة ـ ما شاء الله ـ في مراحلها الأخيرة، وثمة لافتات تتدلى من الطوابق العلوية مكتوب عليها «للإيجار»، المهم دخلت العيادة، تمددت على الكرسي، وهو يخلط المادتين الجديدتين كان يشرح لي ماذا سيعمل: سنضع حشوة دائمة للضرس الأول، والأسبوع المقبل سنبدأ في الضرس الثاني، ثم فتح فمي ليضع الكتلة العجيبة فيه، أمسكت يده من معصمه، قلت له: دكتور في أول يوم مراجعة عندك كانت بجوارك بناية تحت الإنشاء، تخيل البناية اليوم جاهزة تماماً وكتب عليها للإيجار ومازال ترميم ضرسي لم يكتمل بعد! ففتح فمي عنوة ثم وضع الحشوة وهو يقول: «ها.. يعني كيف بنيتها يا أستاذ؟!».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.