أسير الظل!
أنا الذي حينما أغطس بقامتي في الظل أشعر بأن الكوكب الأرضي يحرسني تماماً، وأن الظل هو عافية الأرض وحنانها المختبئ، وأن لكل ظل نسيمه الخاص الذي يذهب بي في متعة تنشق طعم المكان، ويدعوني الى التلذذ بهمس الفيء.
وأنا أعي ان الظلال وهي تقيني من أشعة الشمس فإنها تمد كفاً أرضية لا تخلو من طعم الأمومة الحانية وهي تجنب قامتي تلك اللسعة الشمسية الحارقة. وتمنحني ذاك الحس الطفولي الغامر بالاحتماء، لتقودني الى كيمياء خاصة بالظل تجعلني أتمغنط بانجذاب خاص نحو العديد من الظلال!
نعم أنا الذي قادتني قدماي، ذات طفولة، الى حقول ممتدة من القمح، أذكر أنها كانت تطاول قامتي، وشعرت بلذة غامرة، وأنا أشتبك بقامتي الصغيرة مع السنابل، وأنا أتنشق طعم النبات الأخضر، وتلك السيقان التي كانت تتقصف تحت قدمي.
مازلت أذكر كيف جذبتني الأرض يومها الى قاع الظل النباتي، وجعلتني أمسد بأصابعي الصغيرة على جذور سيقان القمح، وأضغط بحنو على سطح التراب المعشوشب، وما كنت أدري يومها أن هذا هو الفخ الأول للظل.
وأني سأقاد لاحقاً الى الوقوع في عشق الظلال!
وأن هذا سيجعلني، في وقت لاحق، أزحف وأنا في صحراء البطيخ باتجاه الشاحنة الكبيرة التي كانت تصطف بمعدنية قاسية تحت الشمس اللاهبة، بانتظار العمال الذين أحضرهم والدي لقطع حبات البطيخ الكبيرة، ووضعها في الشاحنة. الآن أذكر كيف تمددت في الظل الذي تركه اصطفاف الشاحنة كي أتنشق ذاك الاختلاط الهائل الذي يتركه ظل الشاحنة الكبيرة، حيث زيت المعدن ووهجه وهو يمتزج بالظل المؤقت.
وحينما يكون يوليو يلسع بسياطه الشمسية كل الكائنات فإنني حينما أمر من امام مسجد أشعر بذاك الظل العظيم الذي تخلفه ظلال المئذنة، ولهذا تراني أختلط بالمتسولين، وافتعل الانشغال بمشاهد بعيدة فقط كي أقطف ذاك الظل الذي تفرده تلك المئذنة!
وها أنا أتذكر كيف كنت أنا وأحد الأصدقاء في رحلة برية نقف على جبل كيف لاحظنا أنا وهو، في وقت واحد، تلك التينة الكبيرة وهي تنتصب وحيدة على سطح الجبل المقابل، فركضنا معاً، وحينما وصلنا إليها هالتني، أنا تحديداً، تلك الأوراق الكثيفة لتلك التينة المعمرة، وذاك الظل الدائري الكبير. أذكر يومها أني مسدت على جذعها، وأنا أشعر بأني انقذها من وحدتها النباتية، وأني أؤنسنها، ولا أستطيع أن أصف ذاك الشعور الذي تركه ظلها في روحي.
إنها الظلال الحانية التي تصطادنا من دون أن ندري، ولعل تلك الرغبة التي تنهض فينا حين نرى امرأة جميلة ونود تقبيلها، تعود الى أن تلك المرأة قادمة من روح ظل نادر!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .