مزاح.. ورماح

فيتامينات للعاطفة

أحمد حسن الزعبي

بعد أن نتوقع قدومه، ونحسب ساعات تأخره على الحدود، وإجراءات التفتيش الجمركي، كنا ننتظر أبي المسافر على بعد ميلين من الشوق، نسلط أنظارنا في أول الشارع، نرقب السيارات القادمة من الجنوب، تلك المزينة برمل الصحراء الناعم، ذات الزجاج المعطّر بالسفر، وعندما يقترب صوتها الخشن من الحي، نتأهب بكامل عواطفنا بانتظار أن تصطف أمام بيتنا، وقبل أن يرتاح محركها المبحوح بالسفر، وينزل أبي منها بابتسامة شققها الغياب والتعب، نركض إليه نرمي أنفسنا دون تفكير في حضنه، نقبّل يديه المبللتين بملوحة عرقه الطيب، نحمل «فروته» التي هي رداء ثقيل مبطن بجلد خروف، وقد رافقته طيلة يومي سفر، نختبئ فيها، نشمّ جاكيته المعتّق بالغربة والمسافة والدخان، ثم أشرب من عسل عينيه الذابلتين طمأنينتي!

الأسبوع الماضي ولظرف طارئ، غبت عن البيت يومين متتاليين، اشتقت فيهما لشغب أولادي، وحكاياتهم، لقبلاتهم، لمشاجراتهم، لطريقة نومهم العشوائية عندما أوقفت سيارتي قرب البيت بعد العشاء، وفتحت الباب، تصادف وجودهم أمام الكمبيوتر، مساء الخير يا أولاد! قلتها بشوق أبوي رزين، لكنّ أحداً لم يجب، وكأنني مجرّد قطّة تسللت الى داخل البيت لا أكثر، نهرتهم أمّهم ـ جزاها الله خيراً ـ لكي يقفوا ويسلموا عليّ بعد غياب، فرد كبيرهم الذي علّمهم «التطنيش»، قائلا «طيب بس تا أخلص اللعبة»، بينما صوت تفجير الدبابات وقذف الصواريخ يخرج من سماعتي «كمبيوتره» المنصوبتين كراجمات الصواريخ أقوى من صوت قبلي الخافتة.

❊ ❊ ❊

تُرى لِمَ كنا نحبّ آباءنا أكثر منهم؟!

لو أن هناك فيتامينات للعاطفة أو مطاعيم دورية لمناعة «الحب»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر