ربيع المجتمعات العربية
مازلت أذكر في مطلع سبعينات القرن المنصرم، كيف كنت أراقب ارتجافة وتعرق رئيس أحد التنظيمات الثورية الفلسطينية السرية، وذلك بسبب جلوس تلك الشابة الجميلة إلى جانبه، والتي كان يبادلها الحب من طرف واحد!
وقد طفح بي الغيظ ذات مرّة حينما وجدته في قمة ارتباكه العشقي، فقلت له متسائلاً بقسوة «كيف يمكن لك أن تحرر وطناً، وأنت مازلت لا تقوى على تحرير نفسك من الارتباك أمام امرأة تحبها؟!».
ملاحظتي هذه تكرست عندي وتعمقت في علاقاتي مع كوادر تنظيمية فلسطينية وعربية طوال تاريخي الثقافي، لأكتشف أن الوعي الثوري والتنظيمي العربي قد يصل عند الكادر الثوري إلى كل المكونات التي تسهم في خلق شخصيته القيادية، إلا أن هذا الوعي يصاب بالكساح والشلل عندما يقترب من منطقة السايكولوجيا الاجتماعية الأساسية المكونة لهذه الشخصية، أو من تلك الخامة المؤسسة لتلك الشخصية، وهذا يقودنا إلى القول إن مسألة التنظير الثوري كانت تقترب بفعلها الانقلابي عند القادة الثوريين من كل شيء باستثناء تلك المنطقة المؤسسة لروح الشخص وتكوينه النفسي الأساسي!
ومن يراقب تاريخ الثورات في تاريخنا العربي المعاصر سيلحظ أنها لم تكن أبداً ثورات اجتماعية انقلابية، قادرة على غسل العفن الاجتماعي التاريخي النائم في بطن المجتمعات العربية المكون أساساً للشخصية العربية وتجليات عقدها، التي أسست لإعادة تأثيث شخصية الديكتاتور العربي، بل ظلت هذه الثورات في نموها وانتصارتها وانكسارتها اللاحقة قادرة على التستر وتغييب الفعل الانقلابي لمجتمعاتنا العربية.
والسؤال المُلّح الذي يطل علينا من وسط عاصفة الربيع العربي التي اجتاحت عواصم عربية عديدة هو: أين الفعل التثويري الاجتماعي الحقيقي في أجندة كل ثورات الربيع العربي؟ إذ نلاحظ أن معظم الحركات الثورية في ربيعنا العربي هذا بدأت بارتداء قبعة الإسلام، متناسية الأفخاخ التي سبقت الربيع العربي في ظهور تلاوين جديدة للجماعات المسلمة، ووضعها في مربعات وتوصيفات، مثل الاسلام المعتدل، والإسلام القاعدي الإرهابي، والإسلام المذهبي، والإسلام السلفي. هذه الأفخاخ التي بدأ يتجلى ظهورها في عواصم عربية عدة، بعد أن بدأت بقطف ثمار ربيعها الثوري، وهي بالضرورة تحمل في أحشائها الكم الهائل من التلغيمات التي يصعب احتساب نتائج تفجيرها.
والحال أن الأمر الذي يجب أن يؤكد عليه الشلال الهادر لربيع الثورات العربية التي قامت، والتي لاتزال تنتظر، هو عدم القفز عن السايكولوجيا المؤسسة لطبيعة المجتمعات العربية تاريخياً، لأن هذا القفز الضرير عودنا، مع كل ثورة جديدة، على العودة إلى المربع الأول.
ويا له من مربع!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .