مزاح .. ورماح
ثقب أسفل الركبة..
في الصفوف الدراسية الأولى، كنت أعود إلى البيت «مهبّراً» بكل ما تحمله كلمة «التهبير» من معنى: الدم ينزف من كوعيّ، الأزرار مقطّعة، الشعر منفوش، الوجه «مخمّش»، البنطال مشقوق، والحقيبة مغبرة.. المظهر العام يوحي بأني خارج للتو من «معركة حامية الوطيس»، لذا وقبل أن أخطو الخطوة الثانية من عتبة البيت كنت أبلع ريقي، استعداداً للدفاع عن النفس أمام تهم الأهل الكثيرة: «أنا وقعت لحالي.. ما حدا ضربني».. هذه العبارة الأولى التي كنت أنطق بها عندما يرمقني أي فرد من أفراد العائلة بنظرة شفقة، ثم أبحر في الكذب وأصف طريقة السقوط، وكيف تعثّرت في حجر صغير ووقعت على «نصف طوبة» قرب شجرة الجزيرة الوسطية، وكيف صادف وجود «بوجي سيارة قديم» تحت العصعص، ما ضاعف الألم، ثم أحاول أثناء الحديث إخفاء الثقب الموجود أسفل ركبة البنطال بأن ألفّ «الساق على الساق» بحالة وقوف، ومن ثم الإسهاب في وصف «السقوط» وحجم الوجع، كنت في ذلك العمر ساذجاً لأن هزّة الرأس وعبارة «تعيش وتوكل غيرها» من قبل الأهل، كانت توحي لي بأني أقنعتهم تماماً بما حدث، على الرغم من أن الواقع عكس ذلك فكان «طابقي مكشوفاً تماماً»، لكن مع هذه الكذبة كنت أستردّ شيئاً من عافيتي النفسية، فأقوم بترطيب «الكوعين»، وإخفاء الجروح بلاصق (بلاستر)، ومسح الحقيبة بفردة جوارب قديمة، وأمارس حياتي، كأنني فعلاً قد تعرّضت «لوقعة» وليس «لعلقة».
***
كبرت وكثرت «خدوش المعارك»، ومع ذلك مازلت أحتفظ بحجة «السقوط» الحرّ، مخفياً ثقب «ضعفي» بالتفاف ساق الصمود.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.