الأموات هل يستخدمون «سكايب»؟!
لأنها حديثة العهد بالترمّل، كانت جارتنا (أم علي) تضع سبحتها في رقبتها، وتحمل «دلّة قهوتها» في يدها، وتتوجه نحو المقبرة ظهيرة كل خميس، أول ما تصل إلى الصف الأول من القبور كانت ترفع يدها وتقول للمراحيم بكل عفوية: «الله يمسيكوا بالخير جميعا.. إن شا الله إنكو مرتاحين»، ثم تقترب من قبر زوجها، فتسلم عليه بحرارة، ثم تلف حوله قليلاً، تقتلع الشوك بسكين صغيرة، ترش التراب بقارورة ماء أحضرتها من مشوارها الطويل، تضع فنجان قهوة سادة فوق شاهد القبر، وتبدأ ببث شكواها إلى (أبوعلي): الوضع المادي سيئ، لا أحد يزورنا بعد موتك، المضافة مطفأة، الأولاد متخاصمون، دالية العنب لم تحمل هذا العام حداداً عليك، البنت مازالت تنتظر ابن الحلال، ابنك ناصر حوّل إلينا 200 دولار قبل شهرين.. تسكت قليلاً، ثم تسكب فنجان القهوة على تراب القبر، وتكمل نشرة الأخبار التي كانت توافيه بها ظهيرة كل خميس، كانت تصادفها أمي أحياناً قرب سور المقبرة، أثناء قيامها هي الأخرى بزيارة لأغراض مشابهة، فتؤكّد (أم علي) أنها جاءت هنا «لتفضفض» للمرحوم كل همومها، فكانت تردّ عليها أمي بسؤال صعب: الأموات يسمعون ربما! لكن المهم هل ينطقون؟ ما يجعل الحاجة (أم علي) تتوارى بصمت وحزن وارتباك وبيدها «دلة القهوة» التي نكّست رأسها إلى الأسفل، بعد أن أفضت مرارة الشراب على صمت التراب.
❊❊
أخيراً طورت شركة سويدية تابوتاً عصرياً مزوّداً بسماعات صوتية، إضافة إلى حافظات أغانٍ ذات سعة تخزينية كبيرة، يمكن لأهل المتوفى أن يقوموا بتشغيلها للاستمتاع بمعية الميّت بألبوماته المفضلة.
كنت أتمنى لو أن هذا الاختراع مدعم بخدمة «سكايب»، وجاء مبكراً 43 عاماً، لأجريت الليلة اتصالاً مطولاً مع الراحل جمال عبد الناصر، وشكوت إليه حال مصر.. آآآآخ يا مصر كم تؤلمني!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.