كل يوم
سياسة المهادنة إلى حين..
مازالت الدولة تتبع نهجاً متوازناً يميل إلى المهادنة والبعد عن الإجبار في التعامل مع قضية توظيف المواطنين في القطاع الخاص، ومازالت تراعي مصالح الشركات الضخمة، المحلية والأجنبية، والمؤسسات الخاصة وكبار التجار، وتتبع معهم أسلوب الترغيب والحث والتشجيع، مع أنها تمتلك أدوات أخرى مشروعة قد تكون أكثر فاعلية من هذا الأسلوب.
هذا النهج مفيد في المرحلة الحالية، ودليل فاعليته سيتضح حتماً مع تواتر مبادرة «أبشر» التي تسعى لتوظيف 20 ألف مواطن في القطاع الخاص خلال خمس سنوات، ونجاح المبادرة في الوصول لهذا الهدف لاشك أنه سيعكس نجاح سياسة الدولة الهادئة في التعامل مع هذا الملف، والمؤشرات إلى الآن جيدة، لكن الحكم على التجربة مازال مبكراً.
مؤسساتنا الوطنية، وشبه الحكومية، ومعظم الشركات الخاصة الوطنية، تسير بشكل مقبول في مسار التوطين، بعضها تستشعر المسؤولية الوطنية، وتلتزم بالتزاماتها المجتمعية، وتالياً فهي تضع خطط التوطين في اعتبارها، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، لكن من الملاحظ أن الشركات الأجنبية الكبرى مازالت غائبة عن هذا المجال، خصوصاً أنها تعتبر نفسها غير معنية بهذا الشأن مادام الأمر لا يؤثر إطلاقاً في وضعها وربحيتها!
لا يوجد ما يجعل هذه الشركات تبادر إلى توظيف المواطنين، ما دامت كلفة جلب الوافد من خارج الدولة وتوظيفه أقل بالنسبة لهم من تعيين مواطن، بالنسبة لهم المسألة «واحد زائد واحد يساوي اثنين»، ومادام باب الاستقدام مفتوحاً على مصراعيه لتعبئة الوظائف بعمالة أرخص، فلا مبرر أبداً لشغر الوظيفة ذاتها بمواطن، مهما كانت الحكومة طيبة جداً في التعامل معهم، وتزودهم بالتسهيلات الخيالية التي لا يحلمون بها في أي مكان آخر من العالم!
من هنا لابد من تشريعات وقوانين إضافية تساند «أبشر»، وتدعم موقفها أمام مثل هذه الشركات المتمنعة عن توظيف المواطنين، لابد من بعض القوانين التي تجعل تشغيل المواطنين في القطاع الخاص أكثر جدوى ونفعاً من جلب موظفين من خارج الحدود، عندها ستقوم هذه الشركات ووفقاً لمعادلة «واحد زائد واحد يساوي اثنين» بتوظيف المواطنين، ليس حباً فيهم، ولكن طمعاً في تعظيم الربح الذي سيتأثر حتماً بجلب العمالة، هذا إن طبقنا خطوات ملموسة تجعل كلفة الاستقدام ليست سهلة كما هي الحال الآن، ولا مانع من حصر الشروط الجديدة في المهن التي يمكن توفير المواطنين فيها بسهولة.
المهادنة والهدوء والتوازن سياسات حكيمة تتبعها الدولة حالياً مع القطاع الخاص، ولكن لا مانع أيضاً من بدء التلميح لما وراء ذلك، ولا مانع من اتباع التلميح بخطوات أخرى لا تخرج عن سياسة الهدوء، ولا تدخل في مرحلة الإجبار من أجل ضمان نتائج أسرع في هذا الشأن، إلى أن يتم تقييم مبادرة «أبشر»، ودراسة وتحليل نتائجها والتعرف عن قرب إلى كل تفاصيلها، ومن ثم التحرك بناء على تلك المحطات مع عدم إغفال كل الوسائل التي تحقق للحكومة أهدافها.
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .