قيمة الاعتذار
الاعتذار عن الخطأ صفة حميدة ترفع صاحبها وتمنحه مصداقية تكسبه ثقة الآخرين، ولكن عندما يكثر الاعتذار فإنه يخفي خلفه إمّا حماقة تنم عن قلة عقل وضعف بصيرة، وإمّا مراوغة تخفي استهتاراً واستهانة بالطرف الآخر. وكثيرون هم المعتذرون عن أخطائهم، ولكن القليل من يفعله تواضعاً وكياسة ويعمل على تغيير سلوكه كي لا يضطر لتكرار اعتذاره وتنزيل قدر ذاته.
والذات هنا قد تكون فرداً وقد تكون جهة أو مؤسسة أو حتى دولة، وعندما يساء تقدير النتائج يكثر الاعتذار، وعندما يزداد التسرع في الأحكام والاستعجال في الفعل ورد الفعل تزداد احتمالات الخطأ الذي يتطلب الاعتذار، وعندما يساء تقدير قيمة الآخر تكون الاستهانة فلا يكون مفر من الاعتذار، وعندما يزداد انخداع المخطئ بذاته تحدث التجاوزات فيكثر الاعتذار، وعندما يصبح الاعتذار نوعاً من الاعتداء يكون الاستفزاز وينفلت عقال الحكمة، فعندما تكثر كلمات الأسف وتتوالى عبارات الاعتذار يفقد المعنى قيمته، بل ربما يكون سبباً لردود فعل قد لا تجدي بعدها كل جمائل الاعتذار.
كثيراً ما يربط الاعتذار بالكبرياء، وفي هذا إما أن يعني الكبرياء احتراماً للذات والنأي بها عن الوقوع في الخطأ، وإما نفخاً في الذات إلى درجة الوقوع في إثم العزة الزائفة، والأولى رديفة الحكمة التي ترفع صاحبها، أما الثانية فهي عنوان التكبر وأسيرة الحماقة والغرور التي تحط من قيمة المأخوذين بها، فلا تجعل لهم مكانة ولا تبقي لهم مصداقية، ولا تحفظ لهم قدراً.
في بيوتنا نلقن أطفالنا كلمات الاعتذار، ولكن في الغالب من باب التملص من مسؤولياتنا والتغطية على كثر أخطائنا، وهذا لا يغرس القيمة التي تقول: لا تخطئ كثيراً كي لا تعتذر كثيراً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.