من المجالس
لا بلح اليمن ولا عنب الشام
بعد سنوات من بدء تحويل مسار التعليم في الدولة إلى «ثنائية اللغة»، أصبحت الحقيقة الماثلة أمامنا، التي تثبتها الدراسات المعلنة، وتلك المدسوسة في أدراج المسؤولين عن التعليم، أن طلابنا لا طالوا بلح اليمن ولا عنب الشام، فألسنة طلابنا لم تعد عربية مبينة، ولا هي إنجليزية صريحة، فقد أصبح عنوان الثنائية البائسة «عربية عجماء وإنجليزية عرجاء»، ولذلك نجد مئات، وفي بعض الروايات آلاف الطلاب والطالبات المنهين تعليمهم في جامعاتنا وكلياتنا الحكومية، محرومين من تسلم شهادات التخرج، بسبب فشلهم في تجاوز امتحان «ايلتز» للغة الإنجليزية، الذي تفرضه وزارة التعليم العالي شرطاً لإجازة الخريج، وفي الطرف الآخر نجد نسبة الناجحين في امتحان اللغة العربية من الطلبة والطالبات المتقدمين للحصول على قبول بجامعة الإمارات لا تتجاوز 30٪، بينما يخفق الباقون في تجاوز الاختبار، حسب الدراسة التي أعدها الدكتور خليفة السويدي بجامعة الإمارات.
كلمة فشل بغيضة ومحبطة، ولذلك دعونا نصف الحال بأنه ضعف هنا وتعثر هناك، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن «ثنائية اللغة» شعار صادق ومناسب لمجتمع يتكلم ويقرأ ويفكر بلغة عريقة ذات جذور حضارية عميقة وشخصية اعتبارية حاضرة ومؤثرة في الإرث البشري، فالأمم العريقة المعتزة بذاتها تتجدد ولا تتبدد، وتتغير ولا تتبدل، وهذا لا يعني التزمت ورفض اللغات، خصوصاً اللغة الإنجليزية، أكثر لغات العالم استخداماً في هذا العصر، لكنْ هناك فرق بين الاكتساب والإضافة، وبين الفرض والإحلال، وعن أسف نجد أن أصحاب نظرية «ثنائية اللغة» تجاهلوا تجارب كل الدول المتقدمة من اليابان وحتى البرازيل التي تعلم أجيالها بلغتها الأم، وضاقت حدقات أعينهم، فلم يروا إلا التجربة السنغافورية، ووضعوا مجتمعنا في مقارنة ضعيفة بحجم ضعف مخرجاتنا في اللغتين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.