بين رؤوس ثلاثة
لا تفاجأوا إن كتبت لكم المقال المقبل من أحد مراكز التأهيل والإصلاح، فقد بدأت أعصابي «تفلت»، وصبري ينفد، وروحي «تفرفط» كلما سألني أحد المترفين باستفزاز مبالغ فيه: «وين رح تقضي رأس السنة؟».
من هم مثلي أين عادة يقضون ليلة رأس السنة؟! في الهوليدي إن، في الهيلتون، في الشيراتون، في جراند حياة، في الفور سيزون، لاند مارك، حائراً بين البوفيهات المفتوحة و«المازات الفاخرة»، والوجوه الزاخرة بالابتسامة والنسيان والهذيان.. خالصة مالصة سأقضي رأس السنة في البيت.. وكل ما سأفعله أني سأحضر 2 كيلو برتقال أبوصرّة ولتر ونصف كولا دايت، وأشعل رأس شيشة سلّوم بانتظار أن يطل رأس السنة الجديدة من رحم الأحداث اللاهثة وجعاً وصراخاً.. طبعاً مع ضرورة ضبط الريموت على قناة «غنوة»!
ما الذي يستعدي مني كل هذا الاحتفال وجثث الأطفال في سورية لا تبعد عني سوى بضعة كيلومترات، والأزمة الاقتصادية تجتاح مختلف الدول العربية، ورفع الأسعار ينهش جسد الراتب المريض، ورفع أسعار المحروقات يحرم نصف أسر بلدي حق التدفئة، وعلى الصعيد الشخصي هناك قضية مرفوعة علي في المطبوعات والنشر لا أدري ما هو مصيري فيها، وكم سيبلغ حجم التعويض الذي سأتكّبده لمصلحة خصمي، ثم إن الحرية في الوطن العربي أصبحت طيفاً لا نراه أو حتى نستطيع تخيله، والإصلاح ضرباً من الجنون، ومفعول حبوب المسكّنات العامّة بدأ يخف تدريجياً مقابل ظهور الوجع المزمن تدريجياً.
في رأس السنة لا شيء يرقص أمامي سوى شعلة مدفأتي التي تشارف على الانطفاء.. وهمومي الكثيرة التي تطل برأسها كلما بدأت تلفظ هذه السنة ثوانيها الأخيرة.
لن أستمر في المقال أكثر كي لا أزيد جرعة النكد عليكم أكثر.. يكفيني أني أشتمّ دخان الرؤوس الثلاثة رأس السلوم، ورأسي، ورأس السنة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.