أبواب

النهايات

يوسف ضمرة

ربما يكون أسوأ ما في القصص وأجمله في الوقت نفسه، هي النهايات، فكل ما يأتي في القصة من عذوبة وجماليات قد تفتك به نهاية رديئة، والنهاية الرديئة ذات وجوه عدة، فكثير من الكتاب لا يثقون بالقارئ، فيعمدون إلى الوضوح الزائد في النهاية، وبعض الكتاب لا يعرفون كيف ينهون قصصهم، فيلجأون إلى الحلم والكابوس، وآخرون يقومون بتلخيص القصة أحياناً في نهايتها فيقتلونها.

لكن النهايات ليست كل شيء، كما قد يذهب البعض، فأنت ربما تخبر القارئ مسبقاً بالنهاية، لكنك تمتلك من الأدوات ما يجعله قابلاً للمتابعة بشغف..«ماذا أقول عن فتاة حين تموت وهي في الخامسة والعشرين من العمر؟»، هذه هي الجملة الأولى في رواية «إيريك سيغال»، قصة حب، التي لا يستطيع القارئ أن يلقي بها جانباً فور معرفته بالنهاية منذ الجملة الأولى. كان السؤال صادماً وصاعقاً، وهو ما يجعل القارئ يرغب في معرفة أي شيء عن هذه الفتاة التي تموت، خصوصاً حين يضيف الكاتب قائلاً «أقول إنها كانت جميلة وتحب البيتلز وتحبني»، وكما نرى فالأمر هنا متعلق بالبدايات أيضاً، وبما تتوافر عليه القصة من شخوص وحكايا ومفاجآت وأسرار، وهو ليس موضوع هذه الكتابة الآن.

هنالك صعوبة في البداية التي يستقر عليها القاص أو الروائي، لكن النهاية أمر مختلف، أما سبب الاختلاف فيعود إلى مقدار الهامش الذي يتركه الكاتب للمتلقي، وبالتالي إلى فسحة التأويل، فكلما كانت النهاية أكثر غموضاً وإرباكاً للقارئ، أسهمت في استفزازه، وفي حثه على التفكير في ما قرأ، وكلما كانت النهاية تلخيصاً للقصة أو الرواية، استرخى القارئ واطمأن.

النهايات المحكمة هي التي تفتح للكاتب أفقاً للذهاب بعيداً، والتفكير بجدية في ما قرأ، وما أحاله إليه من أفكار ومفاهيم، وخيال القارئ هنا يلعب دور خيال المؤلف نفسه، لكن بعض النهايات تلعب لعبة الغموض، وهي ليست كذلك، فثمة فرق بين النهاية المحكمة والمحبوكة من جهة، والنهاية التي تأتي لتقطع الحكاية من دون أن تستقر، ففي الأولى حبكة متقنة تقول للقارئ إن ما لدى المؤلف قد انتهى هنا، لكنه بحاجة إليك كي تكمله، وهذا الذي يحتاج إلى أن يكمله القارئ ليس الحكاية نفسها أو شيئاً منها، بمقدار ما هو أسئلة وضعها النص مباشرة في رأس القارئ فور انتهاء الحكاية.

مشكلة بعض الكتاب هي أنهم يفكرون كثيراً في القارئ.. هل ستصل إليه الرسالة أم لا؟ هل يحب هذا أم لا؟ هل يقبل هذا أم لا؟ وهو تفكير يسيء إلى القارئ، ولا يحترمه كما قد يظن البعض، فالقارئ شريك وليس صندوق بريد نضع فيه رسائلنا ونذهب، والقارئ ليس ملزماً بمعادلة رديئة قوامها القبول أو الرفض، والنهاية التي لا تسلمه مفتاحاً من مفاتيح العمل هي نهاية رديئة أيضاً، ولو كانت غامضة، فالنهاية في نهاية المطاف، هي النقطة التي ينبغي للكاتب والقارئ أن يلتقيا فيها معاً على الطريق، وأي مسافة ناقصة أو زائدة ستبتعد عن تلك النقطة الضرورية للمشاركة. لقد انتهى ذلك العصر الذي كانت تكتب فيه القصص للتسلية المحض، لكن هذا لا يعني الابتعاد عن عنصر الإمتاع في الأدب.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر