أبواب
عماء المُنجز الإبداعي
تذهب الكتابة الإبداعية في بعض المفاصل التاريخية الحرجة إنسانياً الى ما يُشبه منطقة العماء الإبداعي، بحيث تتحول الكتابة ضمن هذا المقام الخرب الى منطقة مُطلسمة وعمياء، تكون قادرة بالفعل على جعل الكتابة حالة من الترف والكماليات التي تخرج من حالة الضرورة المُلحة للإنسانية بشكل عام الى حالة عدم الفعالية وعدم الاحتياج.
يحدث هذا بالفعل، وقد حدث في التاريخ الإنساني عموماً عبر قرون عديدة مرت بها البشرية، حيث يكون الواقع متورماً بالفنتازيا التي تجعل الواقع المعيش تكنفه حالة من الغرائبية واللامعقولية التي تجعل الإنسان يعود الى أولويات احتياجاته ككائن إنساني، بحيث تتحول هذه الأولويات الى ضرورة أساسية لا تضاهيها ضرورة أخرى.
وفي قرننا النيئ هذا الذي نعيشه نلحظ أن الكوكب الأرضي بمجمله يعيش متواليات متسارعة في الكوارث الطبيعية والأعاصير وحمى التقسيم الجيوسياسي، ورغبة استعمارية جديدة في محاولة إعادة هيكلة الجغرافيا السياسية من جديد.
وفي مثل هذا المناخ الذي بدأ يُعيد البشرية الى قناعاتها الإثنية والدينية الأولى ومقارعة البناء العقائدي لشعوب الأرض قاطبة، نلحظ أن فكرة الحرب والدمار والاقتتال البشري صارت كأنها علامة عادية جداً لجريان نهر الحياة في حياتنا البشرية عموماً.
وسط هذا الاندغام الدموي للبشرية عموماً ولدول العالم الثالث بشكل خاص يشعر المبدع بعدم ضرورة التحديق في ملامح مجتمعه، وعدم الاستدلال على منطقة الخدش الحبري التي تجعله يستبطن من خلالها الأدب المخبأ وسط هذا الإعصار الدموي السائد، لا بل إن المبدع ذاته أخذ يبحث عن طريقة كي ينجو من خلالها برأسه!
ولهذا ونحن وسط حركة «الربيع العربي» والتداعيات التي خلفها بطش الدكتاتور العربي من حرق وتدمير وقتل، وتنكيل بأجساد الأطفال والنساء، والإعدامات الميدانية المتتالية، ومشاهدة المذابح التي تبثها الفضائيات ليل نهار، يمكن لنا أن نلحظ أن سطح الحياة البشرية في بعض العواصم العربية لم يعد أملس، ولم يعد قابلاً للتحبير، وأن الحياة الثقافية العربية باتت وسط هذه الدهشة تفتقر بالفعل الى الإقبال على الكتابة، وصار الأدب عموماً يعاني اعتقال المشهد الدموي له على هذا النحو القاهر.
ولهذا صارت أي حالة كتابية إبداعية جديدة تبدو كأنها حالة من فائض الرفاهية التي لا يحتاج إليها الإنسان. إنّ المُنجز الإبداعي العربي، وربما الإنساني عموماً سيظل معتقلاً في منطقة العماء هذه بسبب أن الواقع المعيش صار أقوى في إنتاج الفنتازيا، التي ظل الإبداع يتكئ على إنتاجها.
لكن ما يمكن الجزم به أن الإبداع، حينما يتخلص من كل هذه المناخات الدموية، سيكون أكثر عافية وإبداعاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .