عقليات النفي والإنكار!

التراجع عن قرار خاطئ ليس عيباً على الإطلاق، بل هو جرأة إدارية محمودة، وهو أمر صحي للغاية، لا يعيب متخذه بقدر ما يعطيه الأفضلية والصدقية في سعيه إلى الأفضل، لكن من غير المحمود عدم الاعتراف بالخطأ، والأسوأ من ذلك نفي الحقائق، رغم وجود البراهين، عندها تكون المؤسسة دخلت في نطاق المراوغة والتهرب من المسؤولية، وأشياء أخرى لا تليق أبداً بمسؤولين رسميين ومؤسسات رسمية.

قد نختلف، وقد نتفق على كل قرار، وقد يكون قرار اليوم الخاطئ صائباً بعد فترة زمنية، قصيرة أو طويلة، والعكس أيضاً صحيح، فالأمور كلها تقع في طور الاجتهاد بحثاً عن المصلحة العامة، ومن هذا الباب فلا ضير أبداً أن يتراجع أي مسؤول عن قرار اتخذه، لو اكتشف بعدها أنه لم يكن مناسباً في الشكل أو التوقيت، ولكن من المؤسف جداً أن يتصرف المسؤول اليوم بعقلية قديمة، تبدأ في تعليق الأخطاء على الآخرين، أو تكذيب الأخبار، ونفيها، بطرق بدائية، عفا عليها الزمن، من خلال التلاعب بالكلمات والألفاظ، أو الإنكار بشدة، في حين أن الإعلام الآن يصعب التعامل معه بهذه الطريقة!

من هنا صُدمنا، أمس، كوسائل إعلام، ومسؤولين في البنوك والمصارف سوياً، بنفي المصرف المركزي قرار تحديد سقف للقروض العقارية، وأكد معالي سلطان بن ناصر السويدي، محافظ المصرف المركزي، في تصريحات نشرتها الزميلة «الاتحاد»، على صفحتها الأولى، أمس، أن «المصرف لم يقم بإصدار أي تعميمات أو قرارات تلزم البنوك بنظام جديد يحدد سقوفاً لتمويل العقارات»، ملقياً باللوم - كعادة معظم المسؤولين- على وسائل الإعلام، لأنها «أساءت فهم الموضوع»!

هنا لابد لنا من وقفة، وأمام محافظ المصرف طريقان، إما التوجه إلى الجهات الأمنية لفتح تحقيق حول وجود شخص ما يصدر تعاميم باسم المصرف المركزي، وعلى ورقته الرسمية المختومة منه، ويرسلها بشكل رسمي إلى جميع البنوك والمصارف، من دون علم المحافظ والمصرف، ونحن نشك في ذلك تماماً، وإما أن يعترف بأنه غير مُلم بما يجري في المصرف، وغير مطلع على القرارات الكبيرة المؤثرة في الناس والقطاعات الاقتصادية المهمة كالقطاع العقاري، التي تصدر عن الجهة التي يترأسها!

هذان تفسيران لا ثالث لهما، أما الإنكار و«سوء فهم الإعلام» فهذا عذر مرفوض، وإثبات القرار لا يحتاج إلى مجهود كبير، فالإعلام لا يجرؤ على نشر ذلك من دون الحصول على نسخة من التعميم، وعليه فإنني أحب أن أطلع محافظ المصرف على تعميم المصرف، الذي لم يره على ما يبدو، وبإمكانه الرجوع إليه، وسيجده تحت رقم ‬2012/ ‬3871، بتاريخ ‬30 /‬12/ ‬2012، وتحت عنوان «الحد الأقصى لنسبة القرض مقابل القيمة بالنسبة لقروض الرهن العقاري للأفراد»، موجه إلى «كافة البنوك وشركات التمويل»، وينص على التالي «نرجو إفادتكم بأن مجلس إدارة المصرف المركزي قد قرر ألا يتجاوز الحد الأقصى لنسبة القرض مقابل القيمة، في حالة قروض الرهن العقاري للأفراد، ما يلي: ‬70٪ بالنسبة للمنزل الأول للمواطنين، ‬50٪ بالنسبة للمنزل الأول لغير المواطنين، ‬60٪ بالنسبة للمنزل الثاني والمنازل اللاحقة للمواطنين، ‬40٪بالنسبة للمنزل الثاني والمنازل اللاحقة لغير المواطنين. وبناء عليه يطلب من كافة البنوك وشركات التمويل التقيد بأحكام هذا الإشعار»!

شيء مؤسف، وسلوك لا يليق أن يمارسه مسؤول في زمن الانفتاح والشفافية، خصوصاً أنه يصعب التعامل مع الإعلام اليوم بعقليات النفي والإنكار، فهل يدرك مسؤولونا هذه الحقيقة؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة