كل يوم
فصل الطلبة ليس حلاً!
مع احترامنا وتقديرنا الشديدين للمسؤولين بكلية التقنية العليا في دبي، وبغض النظر عن جميع مبرراتهم، وتصريحاتهم حول واقعة فصل 19 طالباً مواطناً، بسبب اتهامهم بالغش، إلا أن القرار ـ على ما يبدو ـ لم يكن صائباً، وتفاصيل القضية بعد قراءتها بتركيز على الأطراف كافة، تشير إلى ظلم واضح تعرض له هؤلاء الطلبة، وفي كل الأحوال كان يمكن معاقبتهم بأي شيء إلا حرمانهم الدراسة، فهل يعي القائمون على هذه الكلية ماذا يعني حرمان طالب مواطن الدراسة؟!
وحتى لا نترك الحكم لعواطفنا، التي ستتجه حتماً تجاه الطلاب، دعونا نتحدث بالقانون، خصوصاً أن نائب المدير الأكاديمي لشؤون الطلاب في الكلية، سلطان حسين كرمستجي، ركز كثيراً على ضرورة تطبيق اللوائح والقوانين، مؤكداً أن واقعة الغش الجماعي ثابتة على الطلاب.
بداية تفاصيل الخبر، عكس تصريحات كرمستجي، لا تؤكد أبداً واقعة الغش، فالقصة كما رواها الطلبة ولم تنفها إدارة الكلية، هي حصول أحد الطلبة على ورقة امتحان لطلبة شعبة أخرى، فاستعان بها وزملاؤه نوعاً من المراجعة للامتحان ذاته المقرر عليهم بعد يومين، وحين قدموا إلى الامتحان فوجئوا بأن المدرسة لم تغير الأسئلة، ووضعت لهم الأسئلة ذاتها، وبمجرد أن سألتهم هل رأيتم الأسئلة من قبل؟ أجاب الجميع وبحسن نية: نعم.. فأين الواقعة التي أثبتت بالدليل القاطع ضلوعهم في غش جماعي؟!
وبما أن القانون يأخذ أحياناً بالقياس، فقضية هؤلاء الطلبة تشبه ـ إلى حد كبير ـ قضية امتحانات الثانوية العامة، التي سُربت أسئلة إحدى موادها، فحولت وزارة التربية والتعليم القضية إلى النيابة العامة، ثم ما لبثت النيابة أن حفظت القضية، لأنه ـ بكل وضوح ـ لم يثبت فعل الغش، ولم يكن هناك ضبط في قاعة الامتحان، من هنا فالمنطق والقياس القانوني يبرئان هؤلاء الطلبة تماماً، وإن كانت هناك مسؤولية فهي تقع على المدرسة وحدها، التي لم تفكر في تغيير أسئلة الامتحان، على الرغم من وجود فارق زمني كافٍ بينهما!
مستقبل 19 طالباً ليس أمراً نقبل التفريط فيه، مهما كانت الأسباب، وإن كانت الكلية تريد فرض قوانينها وشخصيتها فلا مانع من ذلك، بل إن ذلك من الضرورات التي لا يعارضها أحد، لكن ليس في الأمور التي تحتمل الشبهات، فلو ضبط هؤلاء الطلبة في قاعة الامتحان محملين بـ«براشيم» وقصاصات كتب، وثبت عليهم ذلك، فللكلية الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً من عقوبات، لكن في مثل حالتهم فلا أساس لاتخاذ عقوبة صارمة، للحد الذي يحرم الطلبة مستقبلهم الأكاديمي بهذا الشكل المجحف!
نتمنى ألا تأخذ المسؤولين في الكلية العزة بالإثم، وألا يستمروا في أسلوب التعنت والتشدد غير المبرر، وأن ينظروا إلى القضية من زاوية قانونية بحتة، شريطة ألا يكون الجلاد هو نفسه القاضي، فلتكن هناك لجنة محايدة من وزارة التعليم العالي، تباشر التحقيق وتستمع للأصوات كافة، من باب العدالة والمساواة، وتتخذ القرار المناسب، فالفصل وتضييع المستقبل، والتعامل من دون مبالاة مع قضية هؤلاء الطلبة ليست في مصلحة أحد، ولا يحبذها أحد، كما أن للطلبة وذويهم كل الحق في اللجوء إلى القضاء، إن كانوا مؤمنين بعدالة قضيتهم وبراءتهم.
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .