وُلد الهدى
ما ألذ وأمتع قول شوقي: وُلد الهدى فالكائنات ضياء وفمُ الزمان تبَسُّمٌ وثناء،
فإنه لا يكاد يطرق سمعك حتى تتلذذ بحسن سبكه، وقوة جرسه، وجزالة لفظه، وتهتز طرباً لذلك المولود الذي حُفظت السماء بولادته، وسطع نوره حتى بلغ قصور الشام، إنه سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، صلوات الله وسلامه عليه، الذي كانت ولادته إيذاناً بذهاب الوثنية من الجزيرة العربية، وكثير من بلاد الله الواسعة الأرجاء، وكانت بشارة بعودة الملة الحنيفية؛ ملة إبراهيم، عليه السلام، إلى بيت الله الحرام، وكانت إيذاناً برحمة الله للعالمين، من أسلم ومن لم يسلم. إنها الولادة التي فخر التاريخ بها ليغير حال الناس من الضلال إلى الهدى، ومن الجهالة والعمى إلى الإسلام المضيء، والعدل الإلهي، والشرع الرباني، ولادة كان المصطفى، صلى الله عليه وسلم، يشكر فيها ربه، فيخص يوم ولادته بصوم ويقول عن صيام يوم الاثنين «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل عليَّ فيه».
كلما تجددت ذكراه كان للنفس تذكرٌ بنعمة الله تعالى لها بالهداية التي جاء بها هذا الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، الذي هو حريص على المؤمنين، عزيز عليه ما يُعنتهم، شديد الرحمة بهم، والتَّحنُّن عليهم.
هذا هو سيد الأولين والآخرين، وحبيب رب العالمين، وشفيع الله للخلق أجمعين، الذي اصطنعه الله على عينه فأدبه فأحسن تأديبه، الذي شرح صدره ورفع ذكره، وعلمه ما لم يكن يعلم، وأنزله المنزلة القربى لديه، الذي يشهد على الأنبياء بالرسالة، ويعطيه الله الوسيلة والشفاعة والمقام المحمود، يوم يقول كل نبي: نفسي نفسي، وهو صلى الله عليه وسلم يقول: أنا لها أنا لها، الذي يعطيه ربه فيرضيه في أمته، فيخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، الذي رقاه ربه إلى سدرة المنتهى، إلى محل يسمع فيه صريف الأقلام، وكشف له أمر الجنة والنار، ومنحه هبات الفضائل، وجعل أمته أمة وسطاً، شاهدة على الأمم، مفضلة عليها، مكرمة عند ربها.
هذا هو النبي الذي أعطاه الله الخُلة، ومنحه المحبة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأكرمه بالرضا والرضوان، وجعل رسالته خاتمة، وأمته مرحومة، وكان فضل الله عليه عظيماً. هذا هو المصطفى الذي أمرنا الله بتعزيره وتوقيره، وجعل محبته شرطاً للإيمان، وطاعته طاعة للرحمن، ومعصيته معصية للديان، ومبايعته مبايعة لله، والتأدب معه إجلالاً لله.
هذا النبي الذي زكاه الله، وطهر أصله وفرعه، الذي لم يخاطبه ربه إلا بأسلوب التعظيم، ومنع عباده أن يخاطبوه بما يوحي بجفاء، أو يكون ذريعة للأعداء، وحماه من الثقلاء، ودفع عنه السفهاء، وهيأ له صحابة نجباء، نقلوا لنا صفات جماله، وأحوال كماله، وشمائل أحواله، فكانت كلها تنبئ عن عظمة لم يعهد مثلها البشر، نقلوها لنتأسى به فيها، فنكون أقرب الخلق إليه مكاناً، وأسعد الناس بشفاعته، وأولى الناس بمحبته ونتطلع بشوق إلى رؤيته، ونزداد له تعظيماً وإعزازاً وتوقيراً ومتابعة، فنحقق مراد الله من بعثته، وننال الدرجات العلى في مرضاته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .