أبواب
الكتابة الجديدة
مازلت أذكر ارتعاشة روحي وخوفي من الكتابة في مطلع شبابي، وكيف كنت أتعرق تاركاً يدي ترتجف وأنا أقرأ قصتي الجديدة لمجموعة من الأصدقاء الذين كان من بينهم الشيوعي والبعثي والوجودي السارتري.
ومازلت أذكر كيف كانوا يتفنون في غربلة النص، وحين كان ينتهي نقاشهم لنصي القصصي، كنت أُحس أن القصة القصيرة التي كتبتها قد تم تعميدها وسط هذا الحشد النخبوي، ولم أكن لأجرؤ على إرسال قصتي لأي مجلة أو جريدة من دون أن تمر من هذا الغربال الذي لم يكن يخلو من القسوة.
هكذا كانت الكتابة بالمُجمل عن مطلع سبعينات القرن المنصرم، حيث كان للكتابـة هيبتها، وقد آمن العديد من كُتّاب تلك المرحلة بهذا النهج، حيث مازلت أذكر أن كاتباً عملاقاً مثل الروائي السعودي الراحل عبدالرحمن منيف، قد نشر روايته الأولى الموسومة بـ«الأشجار واعتيال مرزوق» بعد أن تجاوز سن الـ45، وهذا التريث في الإعلان عن الموهبة الكتابية قد تكرر في عواصم عربية عدة، حيث كانت الكتابة والنقاد ودور النشر لايغامرون بوضع اسمهم على أي غلاف بشكل مجاني.
جميع جيلنا مرّ بمثل هذه التجربة، لكن الملاحظ في مضارعنا القائم هذا أن التعميد الأدبي والكتابي صار مجانياً، وأن الأمر لا يكلف صاحب الكتاب إلا أن يذهب إلى دار نشر ويُغدق عليها بدفع الدولارات حتى تقوم بتنقيح الكتاب واستحضار الناقد المدفوع الأجر، ووضع صورة الكاتب أو الكاتبة على الغلاف، ومن ثم عمل صناعة ضجة كتابية لهذا المُنجز الكتابي الذي في الأصل لا يساوي شيئاً حتى يتحول صاحبه إلى كاتب يقوى أن ينفخ صدره كديك ويمشي ككاتب منقطع النظير.
وقبل أيام وقع بين يدي كتاب لكاتبة هو عبارة عن مجموعة من الاقتطافات الإنشائية المشعرنة التي كانت قد خطتها على صفحتها في الـ«فيس بوك»، وحين قرأت الكتاب شعرت بحالة من التأزم منه، ورميت الكتاب بقدر ما أوتيت من قوة.
وكان عليّ لحظتها أن أتذكر زوجة صديقي التي أحضرت لي في أبوظبي مطلع الثمانينات نسخة وحيدة من مجموعتي القصصية الأولى «وشم الحذاء الثقيل»، وكيف قالت لي وهي تناولني الكتاب «أن يدك ترتجف ياخليل!!»، فقلت لها وأنا أغالب انحدار دمعة من عيني «أنت لا تعلمين كم كلفتني هذه المجموعة نفسياً من عذابات».
الآن وأنا أتلقى هذا السيل الحبري الهادر من الكتابات والمنشورات أحسّ بالأسف!!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .