من المجالس
ياسمين برائحة الدم
إلى أين تجرفنا رياح السموم العربية؟ فسورية تنهار على رؤوس ساكنيها بضراوة لو عاد نيرون روما إلى الحياة لهاله عدد المستنسخين من جنسه الخبيث، وصدمه مستوى الدمار الذي أحدثوه. ومصر تترنح من هول لكمات متبادلة بين المتعطشين للاستئثار بالسلطة، وركلات مزدوجة من مرضى داء المظلومية، وطعنات متواصلة من وحوش السوابق المنفلتين من جحورهم وأفاعي أهل المصالح المتوحشة. وليبيا تئن من تعدد الدويلات داخل الدولة، وتنوع الجيوش خارج الجيش، وتطاول الرؤوس المتناطحة، ومشاع السلاح في أيدي الفرق المتناحرة. واليمن يكافح وينافح لمنع بتر شيء من أعضائه، ويقاوم محاولات استغلال فقره لتقطيع أوصاله، ويعاني صعوبات فك رموز الماسكين بناصيته، وتفكيك آلة الفساد التي نفته من تاريخه، وصادرت قراره، وتاجرت بخيراته. وتونس، الأقل ألماً وإيلاماً في هذه العاصفة، تبدو كالمربوط الذي تتنازعه أيدٍ متصارعة، وتتخطفه أهواء متنافرة، فتمنعه من مغادرة مربعه إلى فضاء حلمه الفسيح.
وحول هذه البؤر الساخنة والبقع الحارة تلامس رياح السموم زوايا أخرى في الجسد العربي، وتلسع بلهيبها أقطاراً تكاد تقول خذوني. وخلف هذه الهبوب غير الباردة تطل الفتنة برأسها تارة، وتصرخ بأعلى صوتها تارة أخرى، ولا تتردد في إشعال الحرائق في الأماكن الجافة الخالية من طراوة الحياة، وتتراجع الأوطان خطوات متسارعة إلى الوراء، وتضيق آفاق الحياة في صدور الأحياء، وتشتد حالة الغضب، وإذا ساد الغضب المشهد سادت الحماقة، وتقدمت العدوانية، وتراجعت الحكمة، وعميت البصائر، وأصبح الكل عدواً للكل. «ربيع عربي» تفاءلت بنسائمه النفوس الناظرة إلى المستقبل، وفرحت به القلوب الخضراء التي تعشق الألوان الزاهية، وعولت عليه الآمال المتعلقة بالرجاء، فإذا به يتحول من عبق الياسمين إلى رائحة الدم، ولن يستعيد الياسمين عبقه إلا إذا استردت «الرؤوس» عقولها.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.