رؤية مزدوجة
لاأزال أذكر القصة تماماً، دخلت جارتنا في الصباح الباكر إلى بيتنا وهي تمسك بيد طفلها ابن الخمس سنوات، جلست على درجة البيت مهمومة محتارة، قامت أمي بإيقاظ بقية إخوتي النائمين في الغرفة الوحيدة، ثم بدأت ترتيب المكان لتستقبل الضيفة الصباحية وتقوم بواجبها، نهضت الجارة من مكانها ثم جلست على فرشتي وأجلست ابنها في حضنها، ومن دون أن تبدأ بـ«أكلاشيه» المجاملات دخلت في الموضوع مباشرة: جيتك على الصبح لتقرأي على الصبي، وضعت أمي آخر لحاف كان في يدها على طاولة المطوى ثم سألتها، خير إن شاء الله! «مصيوب بالعين»؟ مريض؟ عليه حرارة؟ لوّحت المرأة بيدها معبّرة عن النفي، ثم أمسكت برأس طفلها وأشارت إلى عينيه قائلة: «شوفي يا حجّة الولد أحول»! ثم بدأت تولول متسائلة من أين أتى الحول لابنها؟ لا تعرف، فعندما كان رضيعاً لم يكن كذلك! ضحكت أمي قليلاً وقالت للجارة: حول الصبي وراثة! فانتفضت الجارة قائلة: وراثة! كيف؟ ثم بدأت تصف عيون العائلة فرداً فرداً بأنها كلها سليمة، وليست سليمة وحسب بل بالمجمل عيونهم لوزية وواسعة وجميلة! صمتت أمي للحظات وقالت: وزوجك؟! انفعلت الجارة: ما له؟ أمي: الكل يعرف أن زوجك، عدم المؤاخذة، أحول، رمت الولد من حضنها واقتربت من أمي: بصلاة النبي «أبومحمد» أحول؟ لتكتشف هذه السيدة الطيبة بعد عشرين سنة زواج، بالمصادفة، أن زوجها أحول، لأنها لم تكن تجرؤ على أن تنظر في عينيه أصلاً!
قبل أيام انشغلت وسائل الإعلام الأميركية والعالمية بنظارة هيلاري كلينتون السميكة، وخمّن المخمّنون أن وزير الخارجية الأميركية السابقة ربما تعاني نوعاً من أنواع ازدواجية الرؤية (الحول) حيث يرى المصاب الجسم جسمين والكيان كيانين!
لقد ذكرني هذا الاندهاش العالمي من «حول» كلينتون، باندهاش جارتنا التي اكتشفت بعد عشرين سنة من الزواج حول زوجها، فمنذ وعينا على أوجاعنا العربية ونحن نعرف أن السياسية الأميركية بالمجمل وليست السيدة «كلينتون» مصابة بازدواجية الرؤية السياسة، وإلا كيف نفسّر دعمها الكامل للكيان «الإسرائيلي» وتغاضيها عن جرائمه وغروره طيلة 65 عاماً؟ إنه «حول سياسي» مجبول بالـ«عمى» أيضاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.