تعلات الربيع العربي
المتتبع لطوفان الربيع العربي، خصوصاً إذا كان يمتلك الموقف المبدئي ضد السلطة الديكتاتورية والنظام الشمولي، يقف في حيرة من أمره، بين أن يصدق ما حدث من انتصارات على الديكتاتوريات العربية، ابتداء من بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وحسني مبارك في مصر، وعلي عبد الله صالح في اليمن، وانتهاء ببشار الأسد في سورية، وبين أن يُكذب انتصاراته هذه، ويضع 1000 علامة استفهام، حول هذه الانقلابات والانتصارات، التي لا تخلو من التسرع السحري، ويقع في مقارنة بين ثورته وبين بعض الثورات العالمية التي نقلت شعوبها من طور إلى طور، من دون أن تقع في الضجيج الثوري الذي عادة ما يغلف انتصار الثوار، ويوقعهم في نتائج ليست في الحسبان.
فأي ربيع عربي هذا الذي يوقعك بين خيارين أحلاهما مرّ؟! بمعنى إما أن تكون مع التسلط الديكتاتوري، أو مع الثورة المسلمة التي تجيء بعد انقطاع طويل، وبعد انتهاء آخر خلافة إسلامية عثمانية، بعد أن تم تجريب الفشل القومي، والفشل الناصري، والفشل الماركسي!
فأي ربيع هذا، الذي يجعل من تونس الثائرة الأولى مازالت تعج بالتظاهرات المناهضة للنهج القيادي السائد، ويجعل ليبيا القذافي تقع تحت وطأة التقسيم القبائلي، والتباري بين المدن التي أسقطت القذافي بأحقية السلطة، ويجعل من مصر تعيش كل هذا البطش الأمني، والترهل الحكومي، والتهديد بتقسيمها بين إسلاميين وأقباط، والسطوة السلفية واحتمال استدراج «القاعدة» إلى سيناء، ويجعل من اليمن، الذي عاش تاريخيا على مُسمى اليمن السعيد، وأصبح مسرحاً للسيارات المفخخة وفلول أعضاء «القاعدة»، وتهديده بالتقسيم؟!
وأي ربيع هذا الذي يُطيل أمد حكم بشار الأسد، من دون أي تدخل دولي يوقف نزيف دم الشعب السوري، ومجاعته، وتهجيره؟! وأي ربيع هذا الذي يجعل روسيا تسترد عافيتها في مياه المتوسط الدافئة، ويوقفنا على حافة حرب عالمية قد تدمر جغرافيا المنطقة كي تحيلها إلى إمارات وممالك طائفية؟!
والحال؛ لقد آن الأوان أن نتبصر واقع هذا الربيع، وسرعة تحوله إلى ربيع إسلامي على هذا النحو، وإلى صعود إسلاميين الى سدة الحكم بقيادة «الإخوان المسلمين»، مثلما آن الأوان أن نتبصر دور أميركا وأوروبا، وغض العين الاستعمارية عن هذا السيل الثوري العربي الهادر، وعن دور إسرائيل في الصمت المُطبق، إزاء ما يحدث على حدودها من تغيرات جغرافية وقيادية.
نحن الذين ظلت جغرافيتنا العربية صامدة أمام جميع الهجمات، التي قامت بها حضارات متعددة، وبقيت على حالها الجغرافي، يبدو أننا نُقبل على تقسيمات وتشظيات دينية وطائفية وعرقية، نحتاج إلى أكثر من قرن، كي نعيد فيها صياغة واقعنا الحالي!
والغريب أن كل ذلك يُدفع من دم الفقراء، بينما يستطيع الديكتاتور أُس البلاء، في اللحظة الأخيرة أن يركب طيارته ويغادر، وتلكم هي الكارثة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .