5 دقائق
الأكل الحلال
أحل الله تعالى لعباده الطيبات من الرزق ليتمتعوا بها أكلاً ولبساً وتلذذاً، فيعيشوا سعداء، تعود عليهم بركتها ونفعها في أنفسهم وذرياتهم، وحرم عليهم الخبائث التي يكون أصلها محرماً، كالميتة والدم ولحم الخنزير وسائر النجاسات، أو كان كسبها محرماً من ربا أو سرقة أو اختلاس أو رشا أو نحو ذلك؛ لأن الرازق سبحانه لم يأذن بذلك، فيسلبها الخير ويحل فيها الضير؛ لكونها جاءت على غير شرعه وهديه، وذلك ما حذر منه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك»؟!
أي إن هذا قد قطع أواصر الإجابة والصلة بربه سبحانه بما ارتكبه من مخالفات شرعية، وذلك دليل خطورة أكل الحرام، وقد سماه الله تعالى سحتاً، كما قال في سياق ذمه اليهود الذين استحلوا المحرمات: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، والسحت هو المحرم بأصله أو وصفه، والشيء المسحوت، أي المستأصل، يقال: سحته إذا استأصله وأتلفه، سمي به الحرام لأنه لا يبارك فيه لصاحبه، فهو مسحوت وممحوق، أي مقدر له ذلك، كقوله سبحانه: {يمحق الله الربا}،
ومثل هذا الوعيد يجعل المرء العاقل يفكر قليلاً في كسبه من أين؟ وفيم؟ فإنه يسأل عنهما، كما صح في الحديث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يكسب عبد مالاً من حرام، فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث».
فما أحوج الناس اليوم، مع هذا الطغيان المادي، إلى أن يكون لهم أناة في كسبهم الذي يأكلون ويلبسون ويتزوجون ويتصدقون وينفقون منه!
إن من لم يراع قواعد الشرع فيه فإنه يعود عليه بالضرر العاجل والآجل، فإنه يكون زاداً له إلى نار جهنم، وإن تمتع به في الدنيا فإنه لا يجد فيه بركة في النفس ولا في العيال، وقد كان أبوعبد الله الساجي يقول: «إذا أكل العبد من حلال صفا له القلب فأبصر به أمر الدنيا والآخرة، وإن كان من شبهة اشتبهت عليه الأمور بقدر المأكل، وإذا كان من حرام أظلم عليه أمر الدنيا والآخرة، وإن وصفه الناس بالبصر فهو أعمى حتى يتوب»، ويشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به».
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.