توسيع البنطلون.. غير مجدٍ!!
عندما يفقد الإنسان السيطرة على وزنه، وتزيد سمنته بشكل مفرط، فإنه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما توسيع الثوب أو البنطلون، أو الدخول في برنامج ونظام غذائي ورياضي صارمين لمعالجة المشكلة من جذورها بدلاً من الترميم المؤقت بتوسيع البنطلون الذي سيضيق عليه مرة أخرى لا محالة، لأن وزنه سيظل في ازدياد، فالمشكلة الرئيسة باقية ولم تحل.
هذا باختصار ما يحدث في شوارعنا وطرقنا الرئيسة التي تعاني بين فترة وأخرى تخمة حقيقية بسبب تزايد أعداد السيارات بشكل كبير جداً لا يمكن السيطرة عليه، جعل معدل السيارات في دبي واحداً من أعلى المعدلات العالمية، لدرجة تفوقها على مدن صينية وأوروبية كبرى، وفي الأغلب تواجه هيئة الطرق والمواصلات العامة هذا التحدي بتوسيع الطرق وبناء الجسور والأنفاق والتحويلات الضخمة، وهذا حل مؤقت قابل للتجديد والإعادة كلما زاد عدد السيارات مرة أخرى، تماماً كحل توسيع البنطلون عند البدين!
ما يحدث الآن يحتم على الهيئة التفكير في حلول استراتيجية قريبة ومتوسطة المدى، تصب في خانتين، مع استبعاد خيار توسيع الطرق وبناء مزيد من الجسور، خصوصاً أن البنية التحتية في دبي أصبحت شبه متكاملة، الخانة الأولى هي تشجيع الجمهور على التنقل عبر وسائل النقل الجماعية، والتركيز على توسيعها، وجعلها الخيار الأسهل والأفضل للجمهور، أما الخيار الثاني فهو تقييد امتلاك السيارات بكل الطرق الممكنة، والوسائل المتاحة، فالوضع أصبح غير عادي ويهدد انسيابية الحركة في المدينة.
تشير الإحصاءات إلى أن السيارات المسجلة في دبي فاقت المليون مركبة، تُضاف إليها مئات الآلاف من السيارات من مختلف الإمارات ودول مجلس التعاون التي تدخل المدينة، معنى ذلك أن الطاقة الاستيعابية للطرق في دبي تضيق جداً في كثير من الأماكن جراء هذه الأعداد، وعلى سبيل المثال فإن شارع الاتحاد تبلغ طاقته الاستيعابية 10 آلاف سيارة في الساعة، وهو حالياً يستقبل 100 ألف سيارة في الساعة، بمعنى أنه يتحمل 10 أضعاف طاقته الاستيعابية، ما يعني كثافة مركبات تؤدي إلى ازدحامات واختناقات عديدة، وهناك كثير من الأمثلة غيره، هذا الازدحام الكثيف يكلف المدينة 4.2 مليارات درهم سنوياً، في شكل أموال مهدرة بسبب الازدحامات، مضافة إليها أمراض نفسية وعضوية وعصبية للسائقين!
والآن جاء دور الحلول غير التقليدية والاستراتيجية، وللهيئة الحق في اتخاذ كل الوسائل المتاحة والممكنة التي تقيد حرية امتلاك أو قيادة السيارات من دون ضوابط، شريطة أن تقوم بتوفير البدائل المريحة والمناسبة، مثل الانتهاء من توفير شبكة متكاملة للمواصلات العامة مربوطة بالمترو والبدائل الأخرى، وبأسعار تفضيلية مناسبة للجميع، حتى يكون قرار الاستغناء عن السيارة لكثيرين خياراً مجدياً ومريحاً ويحقق وفراً مالياً حقيقياً، إضافة إلى إمكانية التباحث مع الشركات والمؤسسات الضخمة، وحتى الدوائر الحكومية، في توفير وسائل نقل جماعية خاصة بالموظفين، مقابل اتفاقات سنوية مجدية، وذلك لتشجيع الموظفين، خصوصاً أولئك القاطنين خارج مدينة دبي، على استخدام وسائل النقل الجماعية المخصصة لمؤسساتهم.
ومن دون التفكير في حلول جذرية من هذا النوع، ستظل المشكلة قائمة، بل ستتفاقم للأسوأ، لأن حلول إنشاء الطرق البديلة وتوسيع الحالية، لا تعدو كونها مخدراً موضعياً ينتهي سريعاً، ولن يحل المشكلة إطلاقاً!
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .