«دبة الموتر»!

يحدث ما يحدث بعد معسكرات التخييم الشتوية، كل عام، من طقوس اعتدناها.. رائحة الحطب في الملابس، أطنان الرمال في السيارات، أداوت تنسيم، أدوات نفخ، أدوات تنسيم أخرى، أدوات نفخ أخرى، بقايا خيمة، فحم غير مستخدم، فاكهة كثيرة، دلال متسخة، أغذية سريعة للنفخ، ومساعدات غازية للتنسيم، وفي أحيان كثيرة ذكريات آخرين، خرجوا معنا للتخييم ولم يعودوا أبداً.

مع الفهم المعوج لدى البعض للهوية الوطنية، واختلال موازين الولاء والانتماء، فقد أصبح القانون الاجتماعي الجديد، طبقاً لسدنة التواصل الاجتماعي من مُحْدَثي النعمة، يقضي أنك إما أن تكون راعي بر، أو أن تكون لست راعي بر، لأنك إن لم تكن راعي بر فأنت لست راعي بر، ولا يحق لك حب هذا البر، ولا يحق لك إبداء رأيك في نظافته أو اتساخه، ومن دون «بربره» أصبح هذا «التقليد» «أصلاً» واجباً لتثبت أنك «أصلي» ولست «تقليداً».

كثيراً ما تتعطل سيارات بعضنا في البر، كما تتعطل قلوبنا في «الحضر»، ما يضطرنا إلى حشر خمسة أو ستة ممن نحب في «دبة» سيارة واحدة ، الطريق من البطايح ومضارب بني كتب إلى الشارقة، يستغرق ساعة أو بعض ساعة من نهار، وعندما نصل ونفتح لهم «الدبة»، تماماً كما نفعل في أول أيام عيد الأضحى، تجدهم يهبطون من الدبة جميعاً مبتسمين، ويكتفون بالتمنطق والتمدد، لكنّ أحداً لا يشتكي رائحة جوارب صاحبه! أو انحصار رأسه بين كتفي صاحبيه، أو اضطراره لقضاء الساعة على طريقة اليتيم الباكي، أو من ضيق المكان عليهم رغم أن حجم «الدبة» لا يفرق كثيراً عن حجم قبر أو زنزانة في أحد سجون الولايات الأميركية الشقيقة، التي أعلن عنها أخيراً.

ودائماً ما تصيبني هذه المعادلة بالإرباك والذهول، لماذا تكفي «دبة» السيارة ستة شباب، كل واحد منهم بحجم ثور حين يكونون متحابين، لكن مدينة كاملة، بل دولة كاملة، بل وربما العالم أجمع لا يكفي اثنين يحمل كل منهما حقداً تجاه الآخر، ويحس كل منهما بأن العالم لا يسع الاثنين (أنا أو هو)!

كم سمعنا عمن هاجر تاركاً البلد بما فيه لينعم به فلان، وعن من ترك الأسرة والوطن والعمل والجامعة لأن فلاناً هناك! سبحان من خلق القلوب! الكون كله لا يكفي الاثنين، بينما «الدبة» تكفيهما وضعفاً ومثلاً، وهذا هو الفرق الجوهري بين القلوب البيضاء والقلوب السوداء.. والأمر عند مقلبها جميعاً!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة