سلطة خدمة الشعب
يكبُر شيوخ الإمارات كل يوم في نفوس شعبهم خاصة والناس عامة، تزداد محبتهم، يزداد الدعاء لهم، ويعظم الوفاء لهم، ويكمل النصح لهم، ويرخص البذل من أجلهم.. كل ذلك لما يُلمس منهم من محبة وإخلاص وصدق وبذل وحُنُو وحرص على الشعب والبلاد والعباد، إنهم يعيشون ليبذلوا ويعطوا ويخدموا، لا ليأخذوا ويتسلطوا، ها هم اليوم في قمة القيادة مع الشعب يقولون بكل بساطة وصراحة: نحن سلطة لخدمة الشعب لا سلطة عليهم!
ما أجملها من عبارة وما أصدقها في الواقع! أين هذه العبارة ممن يقول: أنا أنا وإلا فلا بلاد ولا عباد، ممن يقول: أنا الزعيم وغيري لتذره الرياح وتأكله الجحيم؟ من يقف اليوم هذا الموقف الأريحي لينظر ويقرر ويؤصل للعمل المؤسسي العام والخاص؛ ليتحقق لشعبه التقدم المنشود الذي عزم عليه وهو أن يكون هذا الشعب صدراً في كل فضيلة وتقدم ورقي، ولعل أبوفراس الحمداني لم يكن يعني بقوله السائر:
ونحن أناسٌ لا توسّط عندنا ... لنا الصّدر دون العالمين أو القبرُ
تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يُغلِه المهرُ
لم يكن يعني غير هذه القيادة التي آلت على نفسها إلا أن تتعب لتريح شعبها ومن احتمى ببلدها مقيماً أو زائراً.
إن الاستراتيجية التي عرضتها القيادة في اليومين الماضيين ليست إلا إطلالة وشذرات من همومها وتطلعها وتخطيطها للمستقبل، مع الحفاظ على الحاضر، لم يكن يخطر ببال أحد من الحاضرين أن يكون خطاب القمة مع الطفلة الوديعة خطاب أبوة حانٍ؛ أُنساً بالطلب، وتلبية للرغبة، لم يكن الشيوخ الذين حاضروا وناقشوا وأجابوا وحاوروا في جو خالٍ من الرهبة والسلطة، ومفعم بالتلاحم والتحاب والإصغاء، لم يكونوا يوماً متجبرين في الأرض، ولا متهورين في العرض، إنهم تربوا على دماثة الخلق التي عُرف بها زايد وراشد وإخوانهما من الحكام الصالحين، فأفادوا بها صراحة أنها مستقاة من حياضهم العذبة، لم يكونوا يخشون أن يُسألوا ما لم يودوا قوله؛ لأنه ليس لديهم شيء خافٍ يُخشى ذكره ويمكن أن يُسأل عنه بسوء نية، إنها قيادة علمت ما تعنيه القيادة من مسؤولية فتحملوها بجدارة، فلم يألُ أحد منهم جَهداً أن يؤديها كما تجب من غير وكس ولا شطط، إنهم يعرفون أن القيادة في الإسلام نصحٌ مبذول، وعطاء موصول، وحراسة للدين والدنيا، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن القيادة في الإسلام تعني عمارة الأرض، واستخراج مكنوناتها، وتسخير الإمكانات المتاحة لنفع الناس، وأنها محبة ووفاء وتضحية وعطاء، وإيثار للغير بالفاني طلباً للباقي.
هذه القيادة التي هي نظرية الطرح من قرون طويلة، لا تجدها واقعة إلا في هؤلاء الحكام الذين هم مِنّة الله على هذا البلد وشعبه، وهذه المنة حقها أن يشكر الله عليها كثيراً بما أنعم وأكرم، فهو الذي وفق وهدى، ولا يتم شكر الله تعالى على ذلك إلا بشكر هذه القيادة الناصحة الصادقة المحبة الوفية السخية الأمينة الحازمة، التي أعطت إذ حرَم الناس، وأمَّنت إذ أخاف الناس، وبنت إذ هدم الناس، وجمعت إذ فرق الناس، القيادة التي هي في القلوب ماكثة، وفي النواظر ساكنة، وفي الأفئدة مرابطة..
أدام الله ظلها الوارف، وكلأها بحفظه الذي لا يرام، وسلطانه الذي لا يضام.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.