المشي البطّال
أكاد أدخل موسوعة غينيس محطّماً الرقم القياسي في التسجيل بمراكز اللياقة البدنية وسرعة الهروب منها في الوقت نفسه.
تنتابني موجة شجاعة «عنترية» بضرورة الانتساب إلى نادي لياقة كلما تسلمت نتائج فحص الدهون المخزية، فالكوليسترول خمسة أضعاف الطبيعي والدهون الثلاثية سبعة أضعاف المعتدل، فأنوي بكل ما أوتيت من عزم وقوة أن أتخلص من«الكوليسترولات» المتراكمة، و«الجلسرايد» اللعين الذي يحاول أن يعرقل حركة الدم في العروق، أبحث عن مركز قريب من البيت، ومطلّ على منظر جميل، ومجهّز بأحدث الأجهزة، ثم أضع منشفتي على كتفي وأتوجه مباشرة إلى «المحرقة»، أقابل رجلاً عضلاته منفوخة مثل فطائر الهمبورغر، وعروق أذرعه - باسم الله ما شاء الله - صلبة ومتشنجّة تماماً مثل«كيبلات» الكهرباء، فأدفع له سلفاً اشتراك ثلاثة أشهر، وأطلب منه بأدب جم وبأخوة منقطعة النظير أن أبقى تحت إشرافه، إذا تكرّم عليّ طبعاً.
في اليوم الأول أكون متحمّساً للغاية، أقوم بتمارين التسخين الضرورية، يتبعها بعض الانحناءات السويدية المعيبة، ومن ثم الصعود إلى جهازي عضلات الأرجل والأرداف، ثم تمرين المعدة، حتى يبدأ العرق يسيل من كعب رجلي، أقوم عن آخر جهاز وأنا على هيئة ضفدع، ظهري محنيّ، وعيناي جاحظتان، ولساني متدلٍّ أمامي مثل«ربطة العنق»، أسلم على«الكابتن» وأشكره على جهوده في إسداء النصح والإرشاد، ثم ما إن أخرج من بوابة المركز، حتى لا أعود أبداً.
لو أتيح لي جمع ما تم دفعه «خوفاً» من أصحاب العضلات أو «عن طيب خاطر» في السنتين الأخيرتين، فأنا على يقين أن المبلغ كفيل بأن يفتح لي مركزاً تدريبياً مجهزاً بغرفة ساونا وجاكوزي.
المشكلة ما إن أنسى قصة حرق الدهون تلك، حتى أتسلم نتائج «خايبة» من جديد، لفحوص الدهون الثلاثية والكوليسترول، فأتحمس ثانية للتسجيل في مركز لليّاقة، وحتى ألزم نفسي هذه المرة أقوم بدفع الاشتراك لمدة ستة أشهر مقدّماً، ثم أضع منشفتي على كتفي وأمتطي جهاز المشي، وفي آخر الساعة التدريبية أؤكّد للكابتن الجديد - نفاقاً - أن مركزه أفضل مركز أدخله، أولاً: مريح، ثانياً: نظيف، وثالثاً: الأجهزة حديثة، فأشكره على جهوده معي، وما إن أخرج من الباب حتى لا أعود أبداً.. وهكذا.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.