لهـّاية «الموت»

اللهاية أسوأ اختراع في العصر الحديث، ببساطة لأنه تحايل على الحاجة الملحّة، وخداع للشعور، وإدمان على «اللاشيء»، فعندما يبكي الرضيع جوعاً أو وجعاً، تسارع الأم المشغولة إلى وضع «اللهاية» في فمه، ولأنه يؤمن بأن من حملته في عتمة رحمها تسعة أشهر لن تخدعه على ضوء الدنيا من أول شهر، يبدأ بـ«رضاعة» المطّاطة المحتالة، بانتظام وجدية، أملاً في أن يصله مدد الحياة، يبقى مثابراً صادق النية حتى تتعب عضلات فكيه، فيغفو على وجعه أو جوعه، لا فرق، ليأخذ درساً في أول نواميس الدنيا (الخداع). الغريب أنه كلما كبُر كبُرت «لهّايته»، وكبر ضرعه المزيّف.

عامان من الثورة السورية رضيعة الدم، عامان والدول الكبرى تتحايل على حاجة الشعب الملحّة، وتخدع شعور الشعب الذي يتضوّر جوعاً ووجعاً وتشريداً لتجعله يدمن على «اللاشيء الدولي»، وها هو الاتحاد الأوروبي يضع «لهاية» إعلامية جديدة اسمها تسليح الثوار، فيزداد أمل الناس في الخلاص، ويواصل الشعب نضاله بانتظام وجدية، آملاً أن يصله مدد الحياة، يبقى مثابراً صادق النية حتى يتعب كتفه من حمل السلاح الخالي من الذخيرة، وتتعب حدقتا عينيه من الانتظار، فيموت على جوعه وعلى وجعه، لا فرق، آخذاً درساً جديداً في الخداع الأممي.

عامان وسورية تنزف شهداء وعسكراً، تتقيأ رصاصاً وموتى، تمشّط سماءها طائرات الــ«ميغ»، وتغسل وجهها بنواح الأمهات الثكالى، وترتدي ثوباً نصفه كفن ونصفه حداد.. عامان وسورية في وادٍ والعرب في وادٍ.. عامان لم تتفتّح ابتسامة على وجه طفل، أو تحطّ فراشة على شعر طفلة.. عامان ودرعا «نزف»، وحماة «قصف» وإدلب «اعتقال».. عامان والقدود الحلبية تغصّ في حلق الموال..

في سورية، قد يهدم فيها بيت من يناضل أو تُقلع عينا من يثور، لكنهم لن يستطيعوا أن يغتالوا «شعار الطبشور».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة