البركة المنشودة

تُعرَّف البركة بأنها: الزيادة والنماء، أي أن الله تعالى يُنمِّي الأمر المبارك، فيجعل قليله كثيراً ونافعاً؛ لأنه سبحانه الخالق لكل شيء، فإذا أراد أن يكرم عبده في عمره أو ماله أو ولده، أو غير ذلك، بسط أثر عطائه له، فيجد ذلك سريعاً، ويعيش سعيداً، وهي منحة من الله تعالى لا سلطان للعبد عليها إلا بالسعي في أسبابها بطاعة الله، وقد أمر الإنسان أن يسألها من مالكها سبحانه كما في قوله {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن فيقول: «اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا»، ويقول: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا»، ويقول: «اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، ومُدهم»، يعني أهل المدينة، وإذا دعا لأحد يقول: «بارك الله لك في أهلك ومالك».

وهي مبتغاة كل مؤمن بالله تعالى يعلم أنها بيده سبحانه، فسؤالها منه سبحانه محض العبودية له، إلا أن الكثير من الناس يشكون فقدها ولا يسعون لها، وذلك خطأ، فكما قالوا:

ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبَسِ

وأجلُّ أسبابها طاعة الله في ما تريد بركته، وأجلّ ما يسعى المرء لحصول بركته هو العمر الذي هو رأسماله حقيقة.

والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع

فالناس اليوم يشكون فقد بركته بتسارع ساعاته وأيامه ولياليه، ولو سعى المرء لبركة عمره لوجدها، فإن بركة العمر أن يُصرف في ما استعمله الله فيه، من أداء المفترضات، والمسارعة إلى الخيرات، والسعي في المباحات بنيات صالحات، فإذا كان المرء كذلك وجد عمره مملوءاً بما فيه نفعه، ولا يجد فيه وقتاً للبطالة، فلا يندم على شيء منه، ويوم يعرض عليه يسره العرض ولا يُغبن فيه.

والمال كثير من الناس يشكون فقد بركته، ولو أنهم عرفوا كيف يكسبونه وكيف يصرفونه لعظم انتفاعهم به، ولم يشكُ أحد منه، فالمال مال الله وما عند الله لا يطلب إلا بما شرعه ولا يصرف إلا بما شرعه، فالذي يكسبه من غير حله لا شك أنه لا يبارك فيه، كما ورد «من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابر» أي من غير حله كالسرقة والغصب والخيانة فيهلكه في هذه المواضع، كما قالوا:

والمال لا يخرج من كفِّ الفتى  إلا على النحو الذي منه أتى

وبركته أن يصرف في ما ينفع المرء في حياته أو يقدمه لبعد مماته، لا في مجرد جمعه، فكم رأينا ممن جمع المال لم يستفد منه فتركه لغيره، له مهنؤه، وعلى هذا حسابه، «من أين اكتسبه وفيما أنفقه»

بل قد يكون سبب طغيانه وعدوانه، ولعله يتقحَّم النار على بصيرة بسبب غروره بماله {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}.

والبركة في الولد ببره وصلاحه واستقامة حاله، والبركة في الزوجة باستقامة حالها وحسن عشرتها، ولا يتحقق فيهما ذلك إلا برعايتهما حق رعايتهما.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

الأكثر مشاركة