مزاح.. ورماح

رأس الثور

أحمد حسن الزعبي

بالتقادم وطول العمر وانقضاء الزمن صار (أبوعلي) أكبر رجال القرية سناً وأكثرهم وقاراً، فهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من الجيل القديم، لذا أجمع أهل القرية على تنصيبه «مختارا» لهم، ومرجعهم في حال صادفتهم مشكلة أو نشب بين أفراد البلدة نزاع أو خلاف.

ومن حسن حظّ «المختار» أنه لم يواجه طيلة فترة «مخترته» أي مسألة تحتاج إلى فطنة أو خبرة أو ذكاء، فكل المسائل التي كانت تَرِدُ عليه هي ممارسات روتينية مثل ترؤس «الجاهات» لطلب العرائس من ذويهن، أو المشي في أول القوم عند الذهاب لتعزية القرى المجاورة، وفي أحسن الأحوال كان يصلح ذات البين بين أخوين متخاصمين، أو جارين تنازعا على سياج، أو إرجاع زوجة «زعلانة» من بيت أهلها إلى بيت الزوجية، بعد أن يتلو عليها بعض الآيات الكريمة وبعض الحكم القديمة، ثم يمسح لحيته راجياً ألا تخذله أو تكسفه في مهمته، وللإنصاف كانت معظم مساعيه الروتينية تتم بنجاح ويسر، إكراماً لشيبته.

ذات يوم من أيام الصيف الحارة، اقترب ثور «قاسم الطويل» من جرن الماء الوحيد الذي يشرب منه «حلال القرية»، وضع الثور «العطشان» رأسه في الجرن وبدأ يشفط الماء البارد بنهم شديد، وعندما انتهى، حاول الثور أن يرفع رأسه من «الجرن» الحجري فعلقت قرونه داخل الجرن، بدأ الثور بالرفس والخوار، حتى انتبه له صاحبه «قاسم الطويل» فهُرع إليه مساعداً، وحاول أن يخلص قَرنَي الثور من ذلك الوعاء الصخري بأن يلفه يميناً وشمالاً، لكن من دون جدوى، فالجرن ثقيل والثور هائج، شاهده بعض رجالات القرية وحاولوا المساعدة، لكن جميعهم فشلوا. التمّت القرية برجالها ونسائها وأطفالها وهم يشاهدون الثور المستفَز المغمور الرأس في «جرن» الماء، قال أحدهم: لن يحلّها الا المختار (أبوعلي)، وبالفعل ذهب «قاسم الطويل» إلى مضافة المختار ملهوفاً مضطرباً.. «الحقني يا مختار.. ثوري علق رأسه بالجرن»، وضع (أبوعلي) عباءته على كتفه ثم مضى مع الرجل حتى وصلا «بئر القرية»، وجميع السكان ينظرون إلى الثور بحزن وخوف، وإلى المختار بفرح ورجاء، نظر المختار إلى الثور، لف لفّتين حول الحيوان الهائج ثم قال: بسيطة، محلولة إن شاء الله، أعطوني سكيناً، أعطوه سكيناً حاداً فحز رأس الثور، وسقط جسم الأخير على الأرض ودمه يتدفق خارج عنقه المقطوع، نظر «قاسم الطويل» إلى المختار مصعوقاً، وقال له: «بس يا مختار..» قاطعه المختار: «عارف شو بدّك تحكي، رأس الثور لسّه عالق بالجرن.. أعطوني فأساً»، ثم ضرب الجرن الحجري الوحيد الذي تشرب منه القرية فكره وفتته.. وقال بثقة منقطعة النظير: «هسع طلعوا رأس الثور»! نظر أهل القرية باندهاش وتعجّب إلى بعضهم بعضاً، ثم قالوا: «لولاك يا أبا علي كان شو صار فينا»؟

❊❊❊

في بعض المؤسسات والمديريات في الوطن العربي هناك (أبوعلي).

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر