اختراعات

يحضر المُخترع إلى العصر الذي نعيش بنوع من الخفة التي لا ترتقي إلى مستوى الفعالية الحضارية التي أحدثها اختراعه، والغريب أن العالم تعامل مع الاختراع بشره كوكبي خاص وقام لاحقاً بالهرس الوجودي لصاحب الاختراع، ولا عجب أن يموت المُخترع بدونية مفجعة وبإهمال عجيب دون أن يتذكر العالم فضائل هذا المُخترع أو حتى محاولة تبجيله.

وقبل أيام احتفل العالم باختراع الهاتف الجوال، وذلك بمناسبة مرور ‬40 عاماً على اختراع هذا الهاتف الخطير الذي يعود بتاريخه إلى عام ‬1947 عندما بدأت شركة «لوس تكنولوجيز» التجارب في معملها بنيوجرسي، ولكنها لم تكن صاحبة أول تليفون محمول، بل كان صاحب هذا الاختراع هو الأميركي مارتن كوبر، الباحث في شركة «موتوريلا» للاتصالات في شيكاغو، حيث أجرى أول مكالمة في الثالث من أبريل عام ‬1973.

ولعل كوبر مخترع الجهاز الجوال لم يكن يدري أن اختراعه هذا سيتحول لاحقاً الى أداة تواصل يندر أن يكون العالم قد استعملها بمثل هذه الكثافة العالمية، بحيث صار كل واحد منّا يحمل جهازه الجوال بيده أو في جيبه، وصار الكائن رهن الطلب بغض النظر عن الجغرافية أو الحيز الذي يقيم فيه.

وقد تحوّل رقم الهاتف الجوال عالمياً الى رقم يخص حامله أينما ذهب وأينما حل، مثلما تحوّل إلى عنوان دائم لا يمكن قطع الاتصال به، وتحوّل الجوال ذاته إلى كاميرا للتصوير، كما تحوّل إلى راديو، هذا إضافة إلى إمكانية ربطه بالإنترنت والمواقع، كما تحوّل عربياً إلى راصد للحركات الجماهيرية والثورية في زمن الربيع العربي، وإلى موثق حقيقي لمثل هذه الثورات.

الغريب أن ذكرى اختراع الهاتف الجوال لم يتوقف عندها العالم مثلما لم يتوقف عند صاحبها، ولولا وكالات الأنباء لم علم أحد عن كوبر هذا صاحب الاختراع.

في السياق ذاته، فقد ودّع العالم قبل سنوات المواطن الروسي «كلاشينكوف» مخترع سلاح رشاش الكلاشينكوف، الذي بدأ حياته فنياً في محطة قطارات في كازاخستان، حيث تعلم الكثير من الميكانيكا، ثم انضم للجيش الروسي عام ‬1983 وعمل في وظيفة فني لدبابة هجومية.

وقد شارك كلاشينكوف في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان وجرح عام ‬1941، بعدها قرر صنع سلاح يقهر به الفاشيين.. وقد كان له ذلك.

وقد قال عن اختراعه هذا: «آسف لرؤية تلك الأعداد من الأبرياء يقتلون ببندقيتي، لكنني أهدئ نفسي وأقول إني اخترعت هذا الرشاش قبل ‬60 عاماً لحماية مصالح بلادي».

هذا التواضع في الحس عند كلاشينكوف جعله ربما لا يدري عن المكانة المقدسة التي احتلها سلاحه الفتاك هذا عند شعوب العالم الثالث وثوراتهم، بحيث تحول هذا السلاح الرشاش إلى تميمة تدخل في الأناشيد والأغاني الثورية وتلعلع ناره في جنازات الشهداء.

لقد مات كلاشنيكوف في جنازة متواضعة تاركاً خلفه هذا الإرث العظيم لسلاح تحوّل إلى أيقونة نصر.

إنها إذن ضريبة الاختراع التي تجعل صاحبه يقدم خدمته الاختراعية ثم يختفي دون أي احتفال أو تبجيل.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة