‬5 دقائق

بذخ الولائم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الولائم وهي الأطعمة التي تقدم للضيوف في عرس أو غيره، لم تعد في أكثر الأحوال مرغوبة للباذل ولا للآكل، أما الباذل فقد كُلِّف شططاً، وأما الآكل فقد شبع فرطاً، فكان لابد من إعادة النظر في وضعها مع ما يتناسب ومنهج الشرع الشريف، والمصلحة الراجحة للفرد والمجتمع، لأنها أصبحت من عوائق الزواج الذي هو من مقاصد الشرع؛ لما يتحقق به من العفاف، وما يترتب عليه من نسل يعمر المجتمع ويعمِّر الأرض ويكثِّر الأمة، ومن القواعد الشرعية أن الوسائل أو الكمالات إذا كانت ستؤدي إلى ترك المقاصد تعين تركها، والوليمة في أصلها وسيلة، وفي وضعها الحالي ترف أو كمال، فإن الشارع الحكيم حينما ندب إليها، لم يجعل لها حداً مكلفاً، بل جعلها بما يتيسر، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أولم ولو بشاة»، وليس هذا تقليلاً لشأن الشاة، بل إنها في نظر الشارع أكثر ما يمكن كما قال أنس: «ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة»! يعني أن هذه الوليمة كانت أكبر وليمة عملها رسول الله، وهو الأسوة المطاع، فإذا لم يقدر المرء على الشاة فلا حرج عليه أن يولم بأقل من ذلك، فقد أولم صلى الله عليه وسلم على صفية بسويق وتمر «والسويق ما يعمل من الحنطة والشعير»، وهذا هديٌ لأمته أن لا يكلفوا أنفسهم، بل يفعلون ما تيسر لهم؛لأن القصد منها هو إشهار النكاح وما يترتب عليه من آثار، وهو يحصل بغير تكلف، وما من أحد يأتي العرس يود لصاحبه أن يزداد عناء وكلفة، بل إنه يود لو أعانه على عرسه بجزيل العطاء كما يبذل له طيب القول.

وإذا كانت تكاليف الولائم وما يتبعها هي أكثر من المهر الذي هو أساس البذل في النكاح؛ فإن من الحكمة والرشاد أن تتضافر الجهود لمنع ذلك البذخ غير الحميد، وهذا ما دعا إليه حكامنا أهل الرشاد والسداد، مع ما يبذلونه من عطاء ومساعدة لمريدي الزواج، ولا ريب أن التجاوب مع هذا التوجيه والتوجُّه ينبغي أن يكون سريعاً وفاعلاً، وهو ما بادر إليه أهل الإمارات الذين يرون إشارات ولاة أمرهم، حفظهم الله، أوامر تطاع برغبة وحرص؛ لأنها أتت من حَدَب المحبة وحنان الأبوة، وعطف الرحمة على شباب وشابات البلد الذين تشيب رؤوس بعضهم قبل أن يتزوجوا ويتحصنوا، انتظاراً لجمع تلك التكاليف التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن هذا التوجه الرشيد والتطبيق السديد من الأمور الفاعلة جداً في تيسير الزواج حتى نحقق مقصدا شرعيا واجتماعيا عظيما لأبنائنا وبناتنا، وينبغي أن يواكب هذا التوجه توجهات أخرى لا تقل أهمية عن بذخ الولائم؛ كتيسير المهر، وتقليل الهدايا، و الإعراض عن أسفار العسل، اعتياضاً عنها بالسياحة الداخلية التي لا تقل رفاهية عن أرقى البلاد الأوروبية، فضلاً عن الآسيوية، وبذلك نكون قد أسهمنا في تحقيق مصلحة أبنائنا وبناتنا.

كما أن ولائم العزاء هي الأخرى ينبغي أن تكون ممنوعة قطعاً؛ لما فيها من توالي المصائب على الموتورين بمصابهم، فيصابون أخرى بتكاليف العزاء، والسنة في ذلك أن يُطعَموا لا أن يُطعِموا، لاسيما الفقراء والأيتام.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر