مزاح.. ورماح

«الروشتة!»

عبدالله الشويخ

كاد صاحبي يجنّ ويفقد صوابه عندما علم بطريق المصادفة لدى زيارته إياي أنني لا أستخدم الشامبو إطلاقاً، وأستعيض عنه بالصابون لغسل شعري.. وحين رأيت ردة فعله المبالغ بها، استحييت أن أخبره بأنني أفعل ذلك من باب «الهيازة» لا أكثر، وأن الصابون الذي أستخدمه يسميه الزلمات «صابون غار»، يقال إنه طبيعي ومفيد. حين رأيت صدمته استحييت أن أعترف له بأن أحد أسلافي الطاهرين كان يستخدم «التايد» بدلاً من معجون الأسنان، فنحن عائلة تؤمن تماماً بنظرية «ون فور أوول.. أوول فور ون». وبالاستخدامات الصحية المتعددة لكل شيء، فالقلم الذي في جيبك قد يصبح ذات يوم أداة لتنظيف الأذن، والمعقم الشفاف الذي غزا الثقافة الصحية بعد هوجة «أنفلوانزا الخنازير» من الممكن استخدامه كمرهم وجلّ للشعر.

بل إنني أذكر تماماً أن جدتي ـ رحمها الله ـ كانت تضع حبات «باراسيتامول» بالجرن وتدقها بالمهباش، ثم تضعها على وجع الضرس الذي يؤلمها ثم تطلب مدواخاً من أحدهم وتجر منه «موشه» باتجاه السن المصاب.. وهذا كله لديها خير من الطب والأطباء، بناء على نصيحة من (أم حسين دله) صديقتها التي ماتت في أيام السلطان سليمان القانوني.. ولكم تصور الصدمة النفسية لدى مجموعة الأطفال وهم يشاهدون المرأة الصالحة تأخذ «شفطة» من المدواخ بعد أن تقول «بسم الله» بالطبع.. ثم يلومني أغلب الأصدقاء على كم العقد والتناقضات التي أعيش معها! وكم كانت مفاجأتي كبيرة حين سمعت الوصفة نفسها من زملاء عدة كانت جداتهم يستخدمنها.

بعض عاداتنا الصحية الموروثة لا تقل خطراً عن عاداتنا الصحية الخاطئة، فبعيداً عن عادة غسيل الشعر بالصابون، التي جعلتنا نضرب خط تركيا باستمرار «رايح.. راد»، لا أذكر مطلقاً في حياتي أنني رأيت أحداً يقرأ «الروشتة» التي تأتي مع حبات الدواء، فالتقاليد تقضي بأنك تحس بألم ما في منطقة ما، فتطرح الموضوع على الأربعة أو الخمسة الجالسين معك على طاولة المقهى.. وكل منهم يلبس الروب الأبيض فجأة ويدلي برأيه.. وتقوم أنت بأخذ رأي الأغلبية بعد أن تسجل اسم الدواء الذي أبلغوك عنه على علبة السجائر، ثم تشتريه من أقرب صيدلية، تفتح علبة الدواء تلقي «بالروشتة» في أقرب سلة مهملات، تطبق ما قاله لك الزملاء، تنام قرير العين وأنت مؤمن بالقضاء والقدر.

أنا معك في أن كلمة «روشتة» أصلاً لا تبعث على الارتياح، ففيها موسيقى غريبة تحسسك بأنها تنتمي إلى عالم المخدرات، علاوة على أنها مكتوبة بأسلوب لا يمكن وصفه بالمبسط، ومكتوبة بخط «براشيم» صغيرة، وبعبارات: أقراص مكسوة، احتباس، ملينات، جرعات، تثبيط.. تجعل الجميع يلجأ إلى الحلول الأسهل.. ومن هنا يمكن أن تكون بداية التغيير بتبسيط التعليمات، فهل هذا صعب؟!

«لا تلجأ إلى تجريب أي وصفات مذكورة في هذا المقال دون استشارة طبيبك..

أو رَبع قهوتك بالطبع»!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر