مزاح.. ورماح
عنتريات
** ما إن استرجعت ذلك المشهد الذي وقف فيه «أبوعنتر» في مدخل «حارة كل مين إيدو أله»، وبيده مجموعة بــِدَل قديمة وهو ينادي «اللي ما له بدلة.. ما له عيد».. حتى انتفضت صورته بالأبيض والأسود من صندوق الذاكرة، وانقسم «أبوعنتر» في مخيّلتي إلى عنتريات، وتشعّب النداء إلى نداءات، تبدأ بـ«اللي ما له بدلة.. ما له عيد»، وتسبح نحو الحرية بنداء: «اللي ما له حريّة ..ما له عيد»، وتنتهي بالوطن، حيث النداء الذي يشبه النحيب.. «اللي ما له وطن ما له عيد».
** منذ اللحظة التي أوقف فيها «أبوعنتر» الفتى المستضعف «ديبو»، محاولاً إجباره على شراء بدلة لا تناسب مقاسه، ومنذ اللحظة التي بدأ بها «أبوعنتر» بلّف البدلة مرات ومرات «كالسندويش» على خصر «ديبو»، وهو يهدد بالصوت العالي: «هاي كبيره هاي؟».. ويبررّ فعلته قبل أن يسمع تذمّر الفتى «ديبو» أو حتى ردّه، برفع ياقة البدلة عالياً كحبل مشنقة يلتف حول عنق الشاب الهزيل، وهو يهدد بنبرة القوي، لا بأسلوب البائع: «هاي طويلة هاي؟».. منذ تلك اللحظة ومنذ تلك اللقطة، أيقنت أن «أبوعنتر» ما هو إلاّ أيقونة لبعض الحكومات العربية، وأن «ديبو» يمثّل معظم الـ250 مليون عربي، الذين يجبرون على سياسات لا تناسبهم.. واقتصادات ليست على مقاساتهم.
** ومنذ أن وقفت الدولة العظمى، في باب الشرق الأوسط، وجعلت منها «حارة كل مين إيدو (إلها)».. وبيدها ديمقراطيات بمقاسات مختلقة، وهي توقف كل يوم «ديبو» عربي، تهدّده بمنطق القوي لا بمنطق المقنع، ترغمه على تقدير ديمقراطية مستعملة،لا تناسب مقاسه أبداً، وتردّ على كل من تذمّر من لونها أو مقاسها بالعبارات ذاتها: «هاي عريضة هاي؟».. «هاي طويلة هاي؟»، حتى تحوّلت ياقات البدل إلى أحبال مشانق، والحكومات العربية إلى «ديبوات» كثيرة.
** بقي أن أقول إن «ديبو» في المسلسل لم ينتبه وقتها إلى أن عبارات القوّة والتجبّر الموشومة على ذراع «القبضاي» هي حبر مزيّف، وأن خنجر «أبوعنتر»، الذي كان يرعب به الضعفاء كان «إصبعه الخنصر» ليس إلاّ...
لذا فعلى «ديبو العربي» الآن، إن أراد أن يبقى على قيد «الاحترام»، أن يتذكّر أن له مقاساً واحداً، لا يتفاوض عليه: «عروبته».. فالبِدَلْ وحدها لا تصنع عيداً، إذا لم ترافقها «تكبيرة» كرامة واحدة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.