حصاد العاصفة
تقول الحكاية الشعبية إن بعض زعماء الزمن الغابر والعابر، كانوا يخرجون الرجال الذين ناهزت أعمارهم الخامسة والستين من الخدمة العامة والمصالح الحكومية، ليتفرّغ هؤلاء لخدمة زوجاتهم من «تصليح حنفية»، إلى «توصيل الأولاد»، إلى «تنشيف ملوخية».. الخ من الواجبات الخفيفة اللطيفة غير المرهقة..
إلى أن جاء زمن.. حتى هذه المسؤوليات البسيطة تم تجريدهم منها؛ فقد قرر أحد زعماء ذلك العصر ـ الذي لم يجد قراراً يتميّز به عن سابقيه ـ الحكم بالإعدام على كل من تجاوز العمر المذكور أعلاه بحجة الحفاظ على كرامة الرجل أمام زوجته، والتخفيف من عبء «الشواب» على الميزانية من طعام مدعوم وعلاج مخفّض واستخدام للمرافق العامة.. فالتزم الجميع بقراره دون مناقشة أو جدل، وبعد زمن قصير هبّت عاصفة قوية على البلاد، فانحبس المطر وضرب الجفاف الأرض وجفّ الزرع والضرع وبدأت المجاعة تنهش البطون، حتى لا تشعر الرعية بأن الزعيم وقف مكتوف الأيدي، فقد أمر الرجل شباب الولاية بأن يحصدوا العاصفة بمناجِلهم، وأن يقطعوا رأس الريح التي تغزو ملكه، فبدأ الشباب بالفعل بحصد العاصفة ـ ع الفاضي ـ منذ ساعات الصباح وحتى دخول العشاء، دون استراحة أو حتى شربة ماء.. بينما ظل يمر الحاكم بين صفوفهم يشجّعهم ويشدّ من أزرهم.. وأثناء تجواله بين الشباب وجد أحدهم يضع منجله جانباً ويلتقط أنفاسه المتعبة، وعندما انتبه لوجود الأمير فوق رأسه «نكت» يديه ومسح فمه موهماً الحاكم بأنه يأكل شيئاً.. ماذا تفعل؟! صرخ الحاكم.. قال الشاب: «عفواً يا مولاي، لقد جعت قليلاً وفركت سنبلة مما حصدت، وأكلت حبوبها معذرة مرة أخرى». فقال له الأمير: «لكنّك لم تأكل إلا الهواء»، فرد الشاب «يعني اللي يحصد العاصفة، إيش ممكن يوكل (بروستد) طبعاً لازم يوكل هوا». فسأله: من أين أتيت بهذه الحكمة؟ فصارحه بأنه قد خبأ والده في منزل مهجور، وهو الذي أسرّ إليه بهذه الحكمة، فضحك الزعيم، وقال «فعلاً اللي ما له كبير يشتري له كبير».
من هنا، ومع كثرة العواصف التي تهبّ على بلادنا العربية، إذا لم يكن لنا كبير.. رح نظل نحصد عواصف و«نوكل هوا»...
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.