«سوق المجرة!»
هناك قصة لطيفة تروى عن أم الإمام أبي حنيفة، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة، أنها حين كانت تريد السؤال عن أمر فقهي لا تذهب إلى ابنها، فيقول لها الناس: لماذا لا تستفتينه وهو فقيه العراق، فتقول لهم: بل أسأل فلاناً، فتذهب إلى فلان فتسأله، وبالطبع يذهب فلان هذا إلى ابنها الإمام، فيسأله ويعود إليها بالمعلومة أو الفتوى، لأن الأم لم تكن لتقتنع برأي ابنها، لقناعتها بأن الأمر يجب أن يكون متعباً أو بعيداً لكي يكون مقنعاً.. أو ربما يبقى الطفل هو الطفل في عيني أمه، أو ربما من باب: مغنية الحي لا تطرب.. مع الفارق في التشبيه بالطبع!
حين يكون الأمر قريباً منك أو سهل المنال، فإنك غالباً لا تُلقي له بالاً، ولا تمنحه الاهتمام ونظرة التعظيم ذاتهما، اللذين تمنحهما للغريب أو للشيء البعيد، كان هذا هو الشعور الذي دهمني، وأنا أحضر فعالية اليوم العالمي للمتاحف، وأدخل متحف الشارقة للحضارة الإسلامية للمرة الأولى، رغم أنه لا يبعد عن منزلي سوى مئات عدة من الأمتار.. إلا أنني لم أفكر قط في زيارته.. والآن أندم على تأخري لخمس سنوات كاملة على اكتشاف هذا الجانب الرائع من حضارتنا! فهل تأخرت أنت؟!
كان اعتيادنا ارتياد سوق المجرة في التسعينات، من أجل تفصيل كندورة، أو شراء غترة جديدة، وبقي ذلك الانطباع، ولكن التحويل الجذري الذكي والحرفي لهذا السوق الجميل إلى متحف راقٍ، لن يخفى على من يزوره رغم أنه في الأساس ليس موجهاً لنا بل للآخر.. زيارة المتحف تجعلك تتمنى لو أن دائرة الجوازات أجبرت أولئك الشقر ـ قبل استخراج إقامات لهم ـ على أن يحضروا ما يثبت زيارته.. لعلهم يتخلون عن نظرتهم الفوقية لنا ولحضارتنا، وليعلموا بأن ثلاثة أرباع ما يفتخرون به علينا كانت حضارتنا هي منبعه الرئيس.. ولسنا مجموعة من الرعاع في الصحراء.. كم يؤلمني أن أكتشف بعد عشر سنوات من صداقتي مع أحد أولئك الشقر وعشرات العزايم، أن اسمي المخزن في جواله هو: «ذَ أرابيك جاي!»، «يعلك ما تحصل حد يمشي ف جنازتك»!
لن يكون خروجك من متحف الشارقة للحضارة الإنسانية يشبه دخولك إليه، فستخرج حتماً رافعاً رأسك، مشروع ينجح في تلك اللمسات التي تمازج القديم بالحديث، من دون إخلال أو إزعاج.. «متعوب عليه» كما يقال.. وأسلوب تقديمه مسلٍّ في كل تفاصيله.. حتى في لعبة «الرحالة»، التي يستبدل بها حملة العلم عوضاً عن جشعي لعبة «المونوبولي»..
قسم رائع للعملات الإسلامية القديمة، منذ العصر الأموي وحتى العصور الحديثة.. لا أعلم في أي عصر توقفنا عن وضع عبارات التوحيد واسم مؤسس حضارتنا على عملاتنا الذهبية؟! هناك الكثير منها مما يغريك بزيارة أخرى للمتحف بعد منتصف الليل!
في المتحف وعلى طريقة ملكة الرمال الشهيرة الأوكرانية «كسينيا سيمونوفا» تقوم طالبة من أم القيوين، اسمها إلهام حسين، بعرض قصة حضارتنا بالطريقة نفسها.. زيارة المتحف تجعلنا نفكر كيف نريد أن تكون متاحف حضارتنا في المستقبل، وكيف نملؤها بأمور أخرى يذكرها من بعدنا، أمور تختلف عن «الكرك» و«جيش الحلوميين»!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .