في براري الجسد..
الضحك يأتي بالوراثة، والنكد كذلك، فالرجل الضحوك إذا ما تزوّج امرأةً ضحوكاً، أنجبا مجتمعاً «مقهقهاً»، والرجل النكد إذا ما تزوّج امرأة نكدة، فسينجبان «أمّة مصائب» لا محالة، و«طويل البال»، إذا ما تزوّج امرأة «طويلة بال» فإنهما لن ينجبا أبداً، والسبب معروف، ومن هنا نستطيع أن نقيس على ما سبق جميع الطباع البشرية وأصناف السلوك.
وأظهرت الدراسات الجينية الحديثة إمكانية انتقال المهن والوظائف والألقاب من خلال الصفات الوراثية، فزواج المديرين العامّين ينجب مديرين عامّين، وزواج الوزراء ينجب وزراء، وزواج الدكاترة ينجب دكاترة، وزواج العمال ينجب عمالاً وهكذا، ولم يتوقّف خبث علماء الهندسة الوراثية إلى هذا الحد من الاستنتاجات، بل تجاوزوها إلى أبعد من ذلك، إذ كشفوا عن نتائج تجارب قاموا بها أخيراً، خصوصاً بالزواج الهجين، فلو تزوّج «بلّيط» معلّمة مدرسة فنتيجة هذا الزواج الهجين سيكون «معلّم بلاط»، ولو تزوّج وزير تخطيط باحثة اقتصادية لأنجبا «خطّة طويلة الأمد للتصحيح الاقتصادي»، وإذا تزوّج «قومي» عربي من محامية ممارسة، فإنهما سينجبان قضية عربية «توعوع» في الأمم المتّحدة.
ونتيجة لهذا التداخل الوراثي والوظيفي، مازال إلى اللحظة علماء الوراثة يقومون «بنبش» الخرائط الجينية ونصب المصائد للجينات الشاردة، وسدحها وأخذ عيّنة من تحت إبطها، ولفّ شريط تعريفي حول معصمها، ثم إطلاقها في براري الجسد.
ويشكو علماء الوراثة من الجينات العربية، إذ إنها متحرّكة كالكثبان العربية، مراوغة وعنيدة وكثيرة التحوّل والتغير، وأفصح أحدهم أنه أمضى عامين في دراسة جينات معارض يساري، وما أن انتهى من دراسته وقد حدّد الجين المسؤول عن «المعارضة»، حتى انقلب الجين فجأة إلى جين «يميني»، بعدما عرض على الرجل منصب مدير دائرة، ثم أمضى العالم ذاته عامين آخرين في دراسة جينات نائب برلماني عربي، وما أن أنهى دراسته وحدد الجين المسؤول «عن التفاني في خدمة المواطنين وحبّ الوطن»، حتى اكتشف أن باسم صاحب الجين شركات واستثمارات لا تأكلها النيران.
وانتهى الأمر بالعالم الجيني بعد دراسته الجينات العربية إلى أن هجر أبحاثه ومختبراته، واستأجر محلاً صغيراً لتصليح «السياكل»، بعدما أفنى 10 سنوات أخرى، وهو يدرس جين وزير عربي ضحوك، وما أن أنهى دراسته الطويلة وحددّ ماهية جين «الضحك» وموقعه عند الوزير، حتى اكتشف أنه «جين الضحك على الذقون» فقط.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.