الإسراء والمعراج

منزلةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه لا يتصورها عقل بشري، فهي غير مقيسة بالأمثال، ولا تدركها الآمال، ولم تنل بالأعمال، بل هي محض إفضال من الملك المتعال، الذي يؤتي فضله ويختص برحمته من يشاء، فهو الذي قال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}، والذي رفعه درجات وأعلى له المقامات، وأدناه من حضرة قدسه، وأناله شرف أنسه، هو الذي خصه بالإسراء والمعراج، وجمع له النبيين، عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ليقدموا له التحية والتبريكات، ويؤمنوا به بعد الممات كما لو كانوا في الحياة؛ ليكونوا أسوة لأممهم، فيؤمنون به ويتبعون النور الذي أنزل معه، ولو كانوا أحياء لما وسعهم إلا اتباعه.

إن ذلك هو سيدنا محمد بن عبدالله الذي ختمت به الرسالات، وأيدته المعجزات الباهرات الباقيات، الذي أكرمه ربه بعظيم التجليات في ملكه وملكوته، فأراه من آياته الكبرى بالعيان ما لا يسعها إلا كمال الإيمان، ليكون إخباره بها عن مشاهدة وبيان.

إن معجزة الإسراء التي تلتها معجزة المعراج في نسق واحد، تستوجب من كل مؤمن ومؤمنة أن يجعلها نصب عينه؛ ليزداد اغتباطا بهذا النبي العظيم الذي فضله الله تعالى على العالمين، ويقول: الحمد الله الذي جعله حظي من الأنبياء، فكانت لي به رفعة عند الله، ومكانة بين الأمم، ويزداد محبة وتوقيرا لنبيه، ويحقق مراد الله من عباده لنبيه، من إعزازه وتوقيره وتبجيله، ثم يدرك أن من بركات هذه المعجزة أن عمَّ خيرُها كل مؤمن ومؤمنة، فنالوا بها شرف العروج لمولاهم بالصلوات، وتشرفوا بمقام القرب منه في القيام بين يديه قائمين وراكعين وساجدين، في صفاء الأوقات، ونالوا بركة تخفيف الله تعالى بأن جعلها خمسا في العمل وخمسين في الأجر، فأمضى الله فريضته، وخفف عن عباده، إلى ما شاء الله من مزيد الفضل، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن ينال هذا الفضل إلا بهذه المعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم يدرك المؤمن ما عليه من واجبات نحو هذا التشريف لنبيه، وأجلُّها واجب حماية المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وجعله مسرى نبيه، وجمع له فيه الأنبياء ليحققوا ما أخذه ربهم عليهم من العهد أن لو بُعث فيهم ليُؤمِنُنَّ به ولَيَنصُرُنَّه، كان ذلك في بيت المقدس ولم يكن في المسجد الحرام، الذي هو أشرف البقاع عند الله، وأول بيت بُني لله في أرضه الواسعة، ولم يكن في السماوات العلا التي رحبوا به فيها، وباركوا له رحلته العجيبة التي لم ينالوها من قبله، كل ذلك ليقوم أتباع هذا النبي بواجبهم نحو ثاني بيت بُني لله في الأرض، وذلك بحمايته ممن يعيثون به فسادا، ويزدادون عنادا وإلحادا، وهم اليهود المدعون أنهم أتباع موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو بريء منهم، لتنكرهم لدعوته لهم باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين، وهم يجدون ذلك في التوراة والإنجيل، ويعرفونه فيهما كما يعرفون أبناءهم، فتنكبوا الشريعة الموسوية والعيسوية؛ وكانوا مع عدو البشرية الشيطان الرجيم الذي دعاهم إلى الغواية، وأضحوا معادين للحنيفية والفضائل الإيمانية والخُلُقية، وأصبحوا يعيثون فسادا في هذا البيت المقدس، ويحاربون فيه الله ورسوله والمؤمنين.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة